وحدتنا الترابية… مرة أخرى

الأخبار التي تتحدث في العاصمة الأمريكية عن احتمال تعيين مندوبة واشنطن في الأمم المتحدة سوزان رايس مستشارة للأمن القومي لبلادها، وأيضا التعيين المحتمل للمثقفة  سامانتا باوز سفيرة أمريكية جديدة لدى الأمم المتحدة، جعلت بعض كتابنا ومحللينا يستحضرون مستقبل ملف وحدتنا الترابية، وخصوصا من خلال ما قد يطرأ من تغيير في الموقف الأمريكي، سواء بتأثير من رايس التي ستلتحق ب(مختبر)صنع القرار السياسي الأمريكي إلى جانب الرئيس باراك أوباما، أو من خلال خليفتها في الأمم المتحدة، وهي أيضا معروفة بانشغالاتها الحقوقية الواضحة، وسبق أن نالت جائزة (بوليتزر)الشهيرة.
من المؤكد أن التعيينات داخل الإدارة الأمريكية لا تخضع، شرطا، لمثل هذا الاعتبار، وإنما هي تنطلق من خبرة المعنيين بالأمر وكفاءاتهم أولا، وأيضا من اعتبارات المصالح العليا للبلاد، وهذا على كل حال شأن داخلي يهم الولايات المتحدة الأمريكية، ومنظومتها السياسية والمؤسساتية.
أما بالنسبة لبلادنا، وخصوصا على مستوى ملف وحدتنا الترابية، فمن الضروري التأكيد على أن التجاذب الذي شهدته القضية في الفترة الأخيرة بمجلس الأمن، وما يتعلق بمحاولة  تغيير طبيعة وعمل(مينورسو)، ثم الأحداث التي تشهدها أقاليمنا الجنوبية والمناورات السياسية والدعائية التي تحركها الجزائر، فضلا أيضا عما ورد  مؤخرا في تقارير منظمات حقوقية دولية، كلها تلتقي بخيط رابط واحد يجمع بينها، ويهم قضايا حقوق الإنسان، وبالتالي، فهنا يوجد اليوم التحدي الجوهري على صعيد التدبير السياسي والإداري والديبلوماسي للملف من طرف السلطات المغربية.
إن التوفيق الجدلي، الذكي والخلاق، بين مقتضيات دولة القانون وتأمين الاستقرار العام في الأقاليم الجنوبية من جهة، واحترام حرية التعبير وحقوق الإنسان وفق ما هو متعارف عليه عالميا من جهة ثانية، هو الورقة الجوهرية التي يجب أن يضغط بها المغرب، ويرفعها في وجه العالم برمته، بعد أن تكون سلطاته قد نجحت ميدانيا في التطبيق، وآنذاك ستكون التقييمات الشخصية والقناعات الذاتية لبعض الديبلوماسيين الأمريكيين أو غيرهم، بلا أي تأثير.
هناك إذن حاجة اليوم لبلورة خطة(هجومية)مغربية على هذا المستوى، تقوم على الانجاز الميداني لما ذكر أعلاه، وأيضا على امتلاك منظومة واضحة وذات مصداقية، تكون بمثابة آلية وطنية جادة وناجعة وفاعلة لمواكبة قضايا الحريات والحقوق في أقاليمنا الجنوبية، بالإضافة طبعا إلى مواصلة تفعيل مخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية لفائدة ساكنة هذه الأقاليم، وتطوير مشاركتها في القرار المحلي ضمن ما ينص عليه مقترح الحكم الذاتي الذي تعرضه المملكة.
ليس سوزان رايس أو سامانتا باور فقط من سيمسك بورقة حقوق الإنسان، ويشهرها، عن حق أو عن باطل، في وجه بلادنا، وإنما العالم كله بات منذ مدة طويلة يحتكم إلى الاعتبار الحقوقي في مختلف القضايا والمواقف، ولهذا من واجب بلادنا أن تخوض هذا التحدي، إلى جانب تحصين جبهتها الوطنية الداخلية، وتقوية هجومية عملها الديبلوماسي، وتمتين حضورها الإعلامي والسياسي دفاعا عن مصالحها الوطنية المشروعة.
[email protected]

Top