نساء في مراكز القرار

حكايات عديدة نسجت في كل مراحل التاريخ عن طبيعة المرأة الفيزيولوجية والبيولوجية واعتبار هذه «الطبيعة» محددا لتدني مكانتها في المجتمع قياسا بموقع الرجل فيه. وقد كان حيفا كبيرا في العديد من مراحل التاريخ البشري أن يُزج بالمرأة، فقط لأنها امرأة، في الدرك الأسفل من المجتمع. لقد كانت المرأة وما تزال ضحية الذهنية الذكورية التي تجعل منها كائنا لا يستقيم إلا بتبعيتها للرجل وموالاتها له، ولهذا، فالأدوار الأساسية والمناصب ذات الحساسية في أي مجتمع كانت وما تزال تسند، في عمومها، إلى الرجل ولا يُلتفت إلى المرأة حتى ولو كانت كفاءتها وأهليتها العلمية تؤهلها لتحمل المسؤولية والوصول إلى مراكز القرار السياسي إسوة بالرجل. من قلب هذه المعاناة التاريخية للمرأة، جراء إقصائها الظالم، يظهر بين الحين والآخر الاستثناء الذي معه تتبوأ المرأة مناصب عليا قد تكون بالغة الحساسية في بعض الأحيان، كما تبرهن على ندّيتها للرجل، وتدحض بذلك كل «الحجج» أو الادعاءات التي تتدرع بها عقلية الذكورة من أجل تثبيت دونيتها. وإنصافا للمرأة من ظلم التاريخ، نورد في ما يلي نماذج من هؤلاء اللواتي كسرن ادعاءات الرجل بشأنهن، بوصولهن لمناصب النخبة والقرارات السياسية في بلدانهن.

ديلما روسيف.. أول امرأة تترأس البرازيل

يلما روسيف المقاومة السابقة التي تعرضت للتعذيب ابان الديكتاتورية العسكرية والملقبة “بالمرأة الحديدية” لحزمها وطاقتها الكبيرة على العمل، خرجت من ظل مرشدها الرئيس السابق لولا لتخلفه وتصبح أول امرأة تتولى رئاسة البرازيل.

ديلما روسيف…صلابة المواقف

تشبه روسيف المستشارة الالمانية انغيلا ميركل، وهي معروفة بصلابة مواقفها بما يتناقض مع مرشدها الرئيس السابق لويز ايناسيو لولادا سيلفا العامل النقابي الذي أصبح رئيسا (2003-2010) والمعروف ببساطته وقربه من الناس.
قالت روسيف في الأول من يناير2011 عند تسلمها الوشاح الرئاسي من ايدي لولا “انا سعيدة، ولم اشعر بذلك إلا نادرا في حياتي، للفرصة التي أعطاني إياها التاريخ بأن أكون أول امرأة تترأس البرازيل”. ولدت ديلما فانا روسيف في بيلبو هوريزونت، ميناس جيرايس، في 14 ديسمبر عام 1947، لأبٍ بلغاريي، عمل بالمحاماة والمقاولات يدعى بيدرو روسيف. ولد والدها في غابروفو، إمارة بلغاريا، وكان صديقا للشاعر البلغاري المرشح لجائزة نوبل وهو عضو ناشط في الحزب الشيوعي البلغاري في 1920، وهرب بيتار من الاضطهاد السياسي في بلغاريا في عام 1929 واستقر في فرنسا ووصل إلى البرازيل في عام 1930.

 تواصل النضال رغم تجربة السجن

تم توقيف روسيف في يناير 1970 في ساو باولو وحكم عليها بالسجن ست سنوات، لكن تم الإفراج عنها في نهاية 1972. وفي بداية 1980 ساهمت في إعادة تأسيس الحزب الديموقراطي العمالي وهو حزب يساري شعبوي الذي كان يتزعمه ليونيل بريزولا، والتحقت بعده بحزب العمال سنة 1986.
سنة 2002 عينها لولا دي سيلفا وزيرة للمناجم والطاقة في حكومته واستمرت في المنصب حتى عام 2005. شغلت بعد ذلك منصب وزيرة الطاقة من العام 2005 حتى العام 2010، حيث ترأست حينذاك مجلس إدارة عملاق النفط “ب تروبراس”، وكلفها الرئيس بتشكيل الحكومة بعد استقالة عدد من أصحاب الأسماء الكبرى بسبب فضيحة فساد هزّت البلاد. ورغم أنه لم يسبق لروسيف أن خاضت أي انتخابات في السابق وكانت هي شبه مجهولة بالنسبة للبرازيليين، قام لولا بتقديمها سنة 2009 كمرشحة لحزب العمال اليساري.
وقالت روسيف حين أعلن حزبها حزب العمال (يسار) ترشيحها رسميا للانتخابات الرئاسية “بعد هذا الرجل العظيم (لولا) ستتولى حكم البرازيل امرأة ستواصل (قيادة) البرازيل (على نهج) لولا”. وروسيف معروفة بحزمها وصرامتها وايضا بتقريعها علنا الوزراء.
وفي الأول من يناير 2011 تسلمت الوشاح الرئاسي من لولا ذا سيلفا، بعد فوزها بنسبة 58 % من إجمالي الأصوات مقابل حصول منافسها مرشح الحزب الديمقراطي الاشتراكي البرازيلي المعارض جوزيه سيرا على نحو 44 % من الأصوات في الجولة الثانية. وأكد الرئيس المنتهية ولايته، ان خصالها السياسية والادارية اقنعته بانها “أفضل” المرشحين. وقال عنها لولا بعد تعيينها في الحكومة ” لقد وصلت ومعها حاسوبها الصغير. وبدانا نتناقش وشعرت بان لديها شيئا مختلفا”.

الأزمة الاقتصادية وراء الإطاحة بها

واجهت حكومة ديلما روسيف احتجاجات واسعة في يونيو 2013، كان رفع أسعار تذاكر النقل العام شرارتها، وفي 20 يونيو نزل إلى الشوارع نحو 800 ألف متظاهر. في أول خطاب لها، وعدت ديلما روسيف بميثاق كبير لتحسين الخدمات العامة، ولاحقًا دعت إلى استفتاء شعبي لتشكيل جمعية تأسيسية لإجراء “إصلاح سياسي”، وسنة 2014 أعيد انتخابها.
خلال أربع سنوات من دورتها الرئاسية، تابعت روسيف المعركة التي بدأها لولا لمكافحة التفاوت الاجتماعي في البرازيل، لكن اداءها خلّف خيبة أمل لدى بعض البرازيليين لاسيما في الشق الاقتصادي. وقد تمت الإطاحة بها في ماي 2016.
قبلت روسيف عندما ترشحت للرئاسة عام 2010، خلفاً للرئيس السابق لولا دا سيلفا، تحدي متابعة المسيرة الشاقة التي سار فيها سلفها من أجل انتشال عشرات ملايين البرازيليين من الفقر المدقع، ووضعت هذا الهدف شعاراً لحملتها الانتخابية، وكانت حينها لا تعد من قيادات الصف الأول أوالتاريخية في حزب العمال (اليساري)، وتدين في ترشيحها ونجاحها للرئيس دا سيلفا، واستطاعت روسيف بالفعل تحقيق انجازات في الشق الاجتماعي، لكنها لم تترافق مع انجازات مماثلة في الشق الاقتصادي، ورغم اكتسابها الخبرة  السياسة في ولايتها الرئاسية الأولى، إلى أنه بقي يأخذ عليها أنها لم تكن ماهرة سياسياً بما يكفي لسد الفراغ الذي تركه وراءه السياسي المخضرم دا سيلفا.
ولا تخلو الاتهامات التي يسوقها خصومها ضدها من تصفية حسابات، مع روسيف وسلفها دا سيلفا ومع حزب العمال (اليساري)، فالحزب في السلطة منذ 13 عاماً، تحققت خلالها تغيرات هائلة في البرازيل، بانتشال الملايين من براثن الفقر، يقدر عددهم بـ 30 مليون شخص، وخاصة في مناطق الشمال الشرقي الأكثر فقراً، والتخفيف من التفاوت الحاد في توزيع الثروة، وتطبيق حزمة واسعة من الإصلاحات، وتحقيق نسب نمو عالية، وصفت بالقفزات، وكانت البرازيل من بين دول قليلة تأثرت على نحو محدود بالأزمة الاقتصادية العالمية وتداعياتها.

 إعداد: سعيد أيت اومزيد

Related posts

Top