والثقافة والفنون…

تتواصل النداءات والمطالبات لكي تستعيد حياتنا الثقافية والفنية ديناميتها الطبيعية، ولكي تنعكس تدابير تخفيف حالة الإغلاق على المجال الثقافي بدوره، ويعود نبض الحياة والإبداع…
آخر هذه المبادرات، مثلتها حركة «ما تقتلوش الفن فالمغرب»، التي أطلقها عدد من الفاعلين الفنيين والثقافيين، للمطالبة بفتح دور السينما والمسرح، وتنظيم المهرجانات والملتقيات الوطنية، إلى جانب إطلاق برامج الدعم الفني…
لقد كشف زمن الجائحة ومختلف القطائع التي برزت على ضوء تداعياته، حاجتنا المجتمعية إلى الثقافة والفكر والأدب والفنون، وضرورة إنماء الوعي العام لشعبنا وتحفيزه على القراءة، وتقوية ارتباطه بالإبداع الأدبي والفني، وتنمية العلوم الإنسانية بشكل عام.
الضرورة اليوم، تبعا لهذا، هي ضرورة مجتمعية وسياسية وإستراتيجية، وتعني مختلف تفاصيل وإيقاعات المجتمع والناس، وهو ما يستحق تفكيرا جديا وعميقا من طرف الدولة، بالإضافة إلى أن الأمر يتعلق أيضا بحق المغربيات والمغاربة في الثقافة والفن والفكر والتربية والتعليم…
من جهة أخرى، الحياة الثقافية والفنية تعني كذلك البشر، أي صناع الإبداع والفرجات، وهؤلاء لديهم حقوق ومطالب وانتظارات مهنية واجتماعية واعتبارية، لا بد من استحضارها والحرص على تلبيتها…
لقد تضرر المسرح وباقي الفنون الحية، وأيضا الموسيقى والفنون الشعبية والسينما، وربما بدرجة أقل الفنون التشكيلية، وذلك جراء إغلاق المسارح ودور السينما وقاعات العرض، ومنع الاحتفالات والتجمعات الكبرى، وكل هذا يفرض اليوم الاهتمام بالحياة الاجتماعية للفنانين وكل العاملين في المنظومة الثقافية والفنية بشكل عام، علاوة على تفعيل تدابير الدعم العمومي والمواكبة المالية والاقتصادية لعودة الأنشطة الثقافية والفنية…
هناك الإغلاق الذي عاشته بنيات الاستقبال الثقافي والفني، وهناك غياب فضاءات اللقاء بالجمهور وتوقيف المهرجانات والملتقيات، وهناك تراجع وتدني الإنتاج، خصوصا في السينما، وكل هذا لم يكن بلا انعكاسات سلبية على مداخيل الفنانين والعاملين معهم، وعلى تدهور ظروفهم الاجتماعية والأسرية، وهو ما يجب التفكير فيه ببعد نظر، وبلا حسابات سطحية عقيمة…
من المؤكد أن ربح تحديات الظرفية الوبائية الصعبة، وحفظ سلامة وصحة شعبنا، يبقى هو الرهان الوطني المركزي اليوم، لكن، يمكن مباشرة عودة الحياة الثقافية والفنية إلى طبيعتها ضمن التقيد بعدد من الإجراءات الوقائية وتفادي الاكتظاظ المبالغ فيه، ومواكبة انتعاش المشهد الفني والثقافي بحذر ويقظة، ولكن، في الوقت نفسه، بالكثير من الحزم والجدية، ومن خلال الوعي بأهمية هذه القطاعات وضرورتها المجتمعية والإستراتيجية…
المعركة التي تستمر فيها بلادنا إلى غاية اليوم للتصدي لتفشي الوباء، والتخفيف من حدة تداعياته المجتمعية والصحية والاقتصادية، هي في حاجة كذلك إلى الأدباء والفلاسفة وعلماء الاجتماع والفنانين والكتاب، وعبر الديناميات الإبداعية والثقافية وإشعاع العلوم الإنسانية، وتكثيف الملتقيات والمهرجانات، يمكن لبلادنا تعزيز الوعي المدني والوطني والعام لشعبنا وشبابنا، وتستطيع تمتين الاستقرار العام للمجتمع..
الحكومة الجديدة مطالبة، إذن، بالتفاعل الإيجابي مع نداءات الفعاليات الفنية والثقافية، والحرص على مصاحبة كامل المشهد الثقافي والفني والحركة المهرجانية ببلادنا، وتوفير شروط العودة الطبيعية للأنشطة الفنية والثقافية بمختلف جهات البلاد، وتأهيل المؤسسات والبنيات ذات الصلة.
وفِي السياق ذاته، يجب الإنصات إلى ممثلي الفنانين والمثقفين، والمنظمات والنقابات المهنية ذات الجدية والشرعية والتاريخ، والعمل المشترك معها لإنجاح الأفق المذكور، وذلك بلا قصور رأي أو حسابات أنانية ضيقة..
المطلوب اليوم هو رؤية إستراتيجية متكاملة للثقافة والفنون ببلادنا، ومنظومة تدبير تقوم على التشاور والشراكة والالتقائية، وجعل الفنانين والمبدعين في عمق كل هذا التخطيط، وتفعيل سياسة عمومية حقيقية تلبي الحاجيات الثقافية والفنية لشعبنا، وتعزز صورة المملكة وثراء منجزها الثقافي والفني المبني على الحرية والتعدد والتنوع.

<محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

Related posts

Top