تاريخ الحروب..-الحلقة 20-

تدفع الحرب الروسية – الأوكرانية التي تدور رحاها بأوروبا الشرقية، والتي أججت التوتر بين الغرب وموسكو وتنذر باتساع رقعتها نحو، ما وصفه مراقبون، “حرب عالمية ثالثة” لها تكاليف باهظة ليس على المنشئات والبنية التحتية فقط وإنما على مستوى الأرواح وعلى ملايين الناس الذين تنقلب حياتهم رأسا على عقب، إلى تقليب صفحات الماضي، لاستحضار ما دون من تفاصيل حروب طاحنة جرت خلال القرن الماضي، وبداية القرن الحالي.
في هويات متداخلة، كما في روسيا وأوكرانيا، لم يبق أحد خارج الحرب. انتهت الحروب وحفرت جراحا لا تندمل وعنفا لا ينسى. وفي هذه السلسلة، تعيد “بيان اليوم” النبش في حروب القرن الـ 20 والقرن الـ 21 الحالي، حيث نقدم، في كل حلقة، أبرز هذه المعارك وخسائرها وآثارها، وما آلت إليه مصائر الملايين إن لم نقل الملايير من الناس عبر العالم..

الحرب الأمريكية – الأفغانية.. امتدت لعقدين وانتهت بنتائج كارثية

بعد أحداث 11 شتنبر وجهت واشنطن بوصلتها نحو أفغانستان حيث كان تنظيم القاعدة قد أعلن تبنيه لحادثة اختراق طائرة برجي مركز التجارة العالمي في مانهاتن بنيويورك ومقر وزارة الدفاع الأميركية المعروف باسم البنتاغون في واشنطن، والتي خلفت حوالي 3000 قتيل.

الحرب على القاعدة

مباشرة بعد أحداث 11 شتنبر أعلنت أمريكا عزمها غزو أفغانستان، حيث اتهم الرئيس الأميركي حينها جورج بوش الابن تنظيم القاعدة بقيادة أسامة بن لادن بتنفيذ الهجمات، معلنا حربا واسعة على الإرهاب.

في اليوم الموالي للحادثة، لجأ الحلفاء في حلف شمال الأطلسي “الناتو” إلى تفعيل بند الدفاع المشترك للمرة الأولى في تاريخ التحالف الغربي لخوض الحرب في أفغانستان.

في 7 أكتوبر من عام 2001، أطلق جورج بوش الابن ما سمي بعملية “الحرية الباقية” حيث شن بالتعاون مع بريطانيا قصفا مكثفا على مجموعة من المناطق بأفغانستان.

كثفت القوات الأمريكية القصف على أفغانستان وضيقت على حركة طالبان التي كانت تحكم البلاد حينها، وأرسلت الحكومة الأمريكية ما يزيد عن 28 عسكري أمريكي للمشاركة فعليا في القتال بأفغانستان، فضلا عن القوات البريطانية وآلاف الجنود من قوات “الناتو”، كما أنشأت الأمم المتحدة قوات المساعدة الدولية “إيساف”،  ووصل تعدادها عام 2009 إلى 64 ألف جندي من 42 دولة.

استمرت القصف والهجوم المكثف على أفغانستان وزاد الأمر تضييقا على المقاومة التي كانت بدورها تحقق بعض الانتصارات الطفيفة، قبل أن تتمكن قوات حلف الناتو من اقتحام العاصمة الأفغانية كابل بغطاء أميركي من القصف المكثف، وانسحبت في غضون ذلك قوات طالبان إلى المناطق الجنوبية من البلاد.

استسلام طالبان

بعد دخول قوات حفظ الناتو إلى العاصمة كابل، تراجعت حركة طالبان إلى المناطق الجنوبية للبلاد، وتراجعت قوتها بشكل كبير، قبل أن تفشل صفوفها في رد الهجمات المكثفة، التي بدأت في استهداف حتى المناطق الجبلية والكهوف التي كانت تتخذها الحركة أماكن للاختباء من القصف.

كثفت سلاح الجو الأمريكي القصف الجوي على جميع الكهوف في المناطق الجبلية، ظنا منه أن أسامة بن لادن مختبئ بإحدى هذه الكهوف، لكنها وإن لم تستطع تصفيته إلا أنها استطاعت إجلاء آلاف مقاتلي طالبان ودفعهم نحو الاستسلام، وهو ما حدث بشكل رمسي مطلع دجنبر 2001، حيث استسلمت طالبان نهائيا بعد أن فتحت القوات الأميركية وابلا من القصف على الكهوف.

في 22 من نفس الشهر، وبدعم أمريكي ودولي تم تنصيب حكومة أفغانية مؤقتة برئاسة حميد كرزاي عقب استسلام طالبان، ونشر قوات دولية تابعة لحلف الناتو في البلاد، من أجل استتباب الأمن، وهكذا بدأت تستقر الأوضاع في خفتت هجمات حركة الطالبان، التي بدأ يتم اعتقال عدد من قادتها وأعضاءها، فضلا عن التضييق عليها في الجبال وجعل هجماتها جد محدودة.

عودة طالبان

بعد مدة من الهدنة الحذرة طيلة 2002 في أفغانستان عقب استسلام طالبان، انشغلت الولايات المتحدة الأمريكية بغزو العراق الذي تم في عام 2003، والذي تم بناء على نفس الاتهامات بدعم القاعدة والمساهمة في أحداث 11 شتنبر.

هذا الانشغال بالحرب العراقية سيؤدي بشكل غير مباشر إلى تنفيس الضيق عن حركة طالبان التي بدأت تنبعث من جديد في جبال أفغانستان وبدأت تستدرج مقاتلين من بلدان مختلفة، لتشرع من جديد في تنفيذ هجمات نوعية، هذه المرة ليست بأفغانستان فقط، وإنما بدول مختلفة، حيث كانت الحركة أو ما يمسى بتنظيم القاعدة يتبنى مجموعة من الهجومات المسلحة أو التفجيرات التي هزت عواصم ومدن مختلفة بعدد من البلدان.

بعد بداية تنامي قوة الحركة وقيامها بعمليات متفرقة التي استهدفت القوات الأمريكية والقوات الدولية بالعاصمة كابل ومناطق مختلف بالبلاد وخارجها، قرر جورج بوش الابن إرسال تعزيزات عسكرية جديدة إلى أفغانستان وذلك خلال عام 2008

وهو نفس النهج الذي سار عليه الرئيس الأمريكي بعدها باراك أوباما، الذي وإن كان قد بنى جزءا كبيرا من شعبيته أثناء حملته الرئاسية استنادا إلى وعود بإنهاء الحرب في العراق وأفغانستان، إلا أنه  لم يف بوعده، وأرسل أيضا مزيدا من التعزيزات العسكرية للقوات الأميركية إلى الأراضي الأفغانية، واستمر ذلك بشكل دوري، حتى بلغ إجمالي عدد الجنود الأميركيين بأفغانستان نحو 100 ألف جندي في عام 2011، إضافة إلى نصف ذلك العدد من قوات أجنبية من جنسيات أخرى.

عملية سرية لتصفية بن لادن

في عام 2011، تمكنت عناصر تابعة للاستخبارات الأميركية من تحديد مكان بن لادن، ووجهت إليه ضربة جوية دقيقة وأعلنت بعدها مقتله في عملية سرية فجرا بمدينة أبوت آباد الباكستانية.

بعد هذا الإعلان مباشرة، شرعت الولايات المتحدة الأمريكية في سحب جنودها، حيث أعلن أوباما عن سحب 33 ألف جندي بحلول يونيو 2012، لتغادر بذلك بالفعل أول دفعة في يوليوز 2011.

قررت قوات حلف الأطلسي بدورها وقف القتال في أفغانستان بشكل رسمي، مع إبقاءها على 12 ألفا و500 جندي أجنبي، بينهم 9800 أميركي، لتدريب القوات الأفغانية وتنفيذ عمليات مكافحة الإرهاب.

ثم بعد ذلك بسنة، أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية تغيير المهمة التي كانت تعرف باسم قوة المعاونة الأمنية الدولية في أفغانستان “إيساف”، وحلّت محلها عملية التدريب الحالية “الدعم الحازم”، والتي كان قوامها نحو 10 آلاف جندي من 36 دولة .

أرسل الرئيس الأميركي دونالد ترامب مزيدا من التعزيزات بآلاف الجنود ليدكوا شبكة أنفاق وكهوف لتنظيم الدولة شرقي البلاد، فأسفر ذلك عن مقتل نحو 100 عنصر تابع للتنظيم.

بالمقابل تكبد التحالف العسكري الدولي ما يزيد على 3500 قتيل منذ 2001، بينهم نحو 2400 أميركي، حسب بيانات الكونغرس الأميركي، وأصيب أكثر من 20 ألف جندي أميركي بجروح، ويقدر موقع مهتم بحصر أعداد الضحايا أن عدد القتلى 3577.

اتفاق تاريخي بنتائج كارثية

استمرت أعمال الاقتتال المحدودة النطاق، قبل أن تعلن واشنطن توصلها إلى ما سمته “اتفاقا تاريخيا” مع حركة طالبان، حيث وقّع الجانبان اتفاقا في العاصمة القطرية الدوحة، والذي نص على انسحاب جميع القوات الأجنبية بحلول الأول من ماي 2021 مقابل تقديم ضمانات أمنية، والبدء بمفاوضات مباشرة غير مسبوقة بين الحركة وحكومة كابل.

ومع بدء سحب القوات الأجنبية في التاريخ المقرر في الأول من ماي 2021، تصاعدت أعمال العنف في البلاد، حيث اندلعت معارك حامية الوطيس بين طالبان والقوات الحكومية في منطقة هلمند الجنوبية، وسيطرت الحركة على الولايات الأفغانية واحدة تلو الأخرى في وقت قياسي.

في 6 يوليوز 2021، أعلنت القيادة الأميركية الوسطى أن تقديراتها تشير إلى استكمال أكثر من 90 بالمئة من عملية الانسحاب من أفغانستان، فيما استمرت المعارك بين حركة طالبان وحكومة كابل.

تمكنت حركة طالبان في 15 غشت 2021 من إسقاط العاصمة كابل، وغادر على إثر ذلك الرئيس أشرف غني البلاد ليستقر في الإمارات.

يرى كثير من المراقبين أن ما سمي بالاتفاق التاريخي بين الولايات المتحدة الأمريكية وحركة طالبان جر على أفغانستان ويلات الفوضى والخراب، خصوصا مع استمرار بعض العمليات المتفرقة، والتي كانت أبرزها تلك التي وقعت في 26 غشت 2021، والتي تبناها تنظيم الدولة، من خلال قيامه بتفجير انتحاري في مطار كابل الدولي قتل خلاله 175 شخصا، بينهم 13 جنديا أميركيا و28 على الأقل من مسلحي حركة طالبان.

انسحاب تام

فجر 31 غشت 2021 أعلنت وزارة الدفاع الأميركية أن قواتها أكملت انسحابها من أفغانستان بعد 20 عاما من الحرب، فيما وضعت حركة طالبان سيطرتها على كافة أنحاء البلاد ووصلت إلى الحكم بشكل مباشر.

وسجل مراقبون أن الحرب كلفت الولايات المتحدة الأميركية نحو 822 مليار دولار على الأغراض العسكرية فقط، حسب الإحصاءات الرسمية لوزارة الدفاع الأميركية، بالإضافة غلى إنفاقها  ما يقرب من 978 مليار دولار، بما في ذلك المال الذي رصد للعام المالي 2020، إذ كانت واشنطن قد تعهدت بالتعاون مع الناتو من أجل تقديم 4 مليارات دولار سنويا حتى عام 2024، من أجل تمويل القوات الأفغانية.

> إعداد: توفيق أمزيان

Related posts

Top