زلازل وكوارث هزت العالم.. -الحلقة 8-

على إثر الزلزال مدمر الذي هز تركيا وسوريا الشهر الماضي، والذي تلاه ما يزيد عن 4000 هزة ارتدادية، وهزات أخرى كانت أعنف، تعود بين الفينة والأخرى مجموعة من السيناريوهات التي تقض مضجع الناس حول ماهية هذه الكوارث وطبيعتها وكيف تحول حياة الناس بين ليلة وضحاها.
وخلال الأشهر القليلة الماضية فقط ضربت عدد من الهزات الأرضية دولا متعددة، وسجلت دول أخرى فيضانات وسيول جارفة، وأدت هذه الكوارث في مجملها لوفاة الآلاف من الناس والتأثير بشكل مباشر أو غير مباشر على الملايين بدول مختلفة.
بيان اليوم ومن خلال هذه النافذة الرمضانية، تعيد شريط مجموعة من الأحداث التي عرفتها دول مختلفة، وضمنها بلادنا المغرب، حيث هزت، بين ليلة وضحاها، كوارث طبيعية شعور الناس وشدت الانتباه إليها وخلقت حالة من التحول في مسار الملايين.

 زلزال وتسونامي فلوريس 1992.. حينما اجتمعت على إندونسيا كارثتان

تعد دولة إندونسيا الواقعة جنوب شرق آسيا، واحدة من الدول ذات الجغرافيا المتميزة، بحيث تضم ما يزيد عن 17 ألف جزيرة تجعل منها دولة أرخبيلية وتعتبر أكبر جزيرة في العالم، فضلا عن كونها تتموقع بين المحيط الهندي والمحيط الهادئ.

وإذ كان موقع هذه الدولة يعد موقعا استراتيجيا بحيث يمتد على طول الممرات البحرية الرئيسية التي تربط شرق آسيا وجنوب آسيا وأستراليا أو أقيانوسيا، فإنها كانت على الدوام وعبر التاريخ بيئة خصبة للكوارث الطبيعية، خصوصا الفيضانات.

وتختلف حجم الكوارث التي ضربت البلاد على مدى عصور إلا أنها وخلال القرن العشرين عرفت بعض الهدنة من حيث قوة وشدة الكوارث، والتي لم تكن مأثرة بشكل بالغ وإن حدثت، خصوصا على مستوى الخسائر البشرية.

هذه الهدنة مع الطبيعة لم تكن هدنة حقيقية وما كانت لتطول، ذلك أن خصائص هذه الدولة ستجعلها في عام 1992 أمام إحدى أكبر الكوارث الطبيعية التي شهدها العالم في القرن الماضي.

تعود تفاصيل الكارثة إلى 12 دجنبر 1992، حيث كانت جزر إندونيسيا على موعد مع الكارثة، إذ في تمام الساعة الواحدة وتسعة وعشرين دقيقة زوالا بالتوقيت المحلي سيضرب زلزال شديد على مستوى بحر فلوريس، ليبعثر الحياة في الجزر المتقاربة ويحول مئات الأبنية إلى ركام في لحظات معدودة.

ضرب الزلزال في منتصف النهار بقوة 7.8 درجة على سلم ريشتر، وحول لحظات الأمن والطمأنينة إلى لحظات رعب حقيقية، حيث فر الآلاف من منازلهم ومن أماكن عملهم نحو الشوارع والفضاءات المفتوحة.

أعقب الزلزال هزات ارتدادية خطيرة زادت في تدمير عدد من البنيات والمنشئات، واستمر رعب السكان الذين عاشوا لساعات بعد ذلك مآسي خطيرة، خصوصا وأن كارثة الزلزال نتجت عنه كارثة أخرى أشد خطورة.

أدى الزلزال الذي ضرب في بحر فلوريس إلى ارتفاع منسوب مياه البحر وأدى إلى توليد أمواج عاتية، معلنة بداية تسونامي بعلو 25 مترا، سيضرب في لحظات عددا من الجزر ويؤدي إلى تدميرها بشكل شبه كلي.

وهكذا، قطعت أمواج تسونامي داخل جزيرة فلوريس مسافة 300 متر ووصل ارتفاع الأمواج فيها إلى 25 مترا، متسببة في ذعر لا مثيل لها وسط الناس، وفي دمار هائل ضاعف في لحظات ما أحدثه الزلزال هو الآخر من خسائر.

أبلغت السلطات عن انهيارات أرضية وشقوق أرضية في عدة مواقع بجزيرة فلوريس، فيما قتل المئات في اللحظات الأولى للكارثة، فيما أصيب الآلاف بشكل مباشر، ووجدت آلاف الأسر نفسها بدون مأوى.

أدى كل من الزلزال وأعقبه من هزات ارتدادية خطيرة، وكذا تسونامي إلى خسائر كبيرة في الأرواح في جزر مختلفة، إذ أودى بحياة 2500 شخص على الأقل بالقرب من فلوريس، بما في ذلك 1490 في موميري و700 شخصا في بابي.

أدى تسونامي لوحده في بعض الجزر الأخرى إلى إصابة أكثر من 500 شخص وتشريد ما يزيد عن 90 ألف شخص، كما أدى في الجزر التي كان فيها الزلزال أقل حدة وأمواج تسونامي ضعيفة، كما هو الحال في كالوتوا إلى مقتل 19 شخصا وتدمير 130 منزلا.

وفي ماوميري، أدى الزلزال وتسونامي إلى تدمير ما يقرب من 90 بالمئة من المباني الموجودة بهذه المدينة، والتي اعتبرت عقب إحصاء الخسائر من المدن الأكثر تضررا، فيما تم تسجيل  دمار 50 بالمئة إلى 80 من المباني في فلوريس، كما حدث الضرر في مناطق سومبا وألور.

عقب هذه الكارثة باشرت السلطات عمليات الإنقاذ التي تعقدت بشكل كبير بعد الفيضانات وتسونامي الذي ضرب مختلف المدن والجزر بالبلاد، التي كانت قد تضررت أو دمرت بنسب متفاوتة.

أدت هاتين الكارثتين اللتين ضربتا البلاد إلى دمار شمل أيضا منشئات عامة ومنشئات حيوية، ومنها المستشفيات حيث دمر مستشفى ماومير بالكامل، الأمر الذي زاد من صعوبات فرق الإنقاذ والإغاثة، إذ جرى علاج المرضى في الخيام.

 تعقدت الأمور خلال عمليات الإنقاذ بسبب الفيضانات المستمرة، خصوصا بعد إغلاق الكهرباء في المنطقة العامة وميناء ماومير، لتقوم بعد ذلك السلطات بإعلان الزلزال كارثة وطنية، وتقوم على إثر ذلك بإرسال بعثات إنقاذ وإغاثة إلى المناطق المنكوبة بالزلزال.

شارك في عمليات الإنقاذ أجهزة مختلفة بالدولة، حيث قدم سلاح الجو الإندونيسي المساعدة، معظمها نقل الأدوية والملابس، فيما فتحت أندونسيا الباب أمام الإغاثة الدولية التي حلت بالبلاد لدعم جهود الإغاثة والإنقاذ.

أدى طول عمليات الإنقاذ التي أعاقتها الفيضانات وبداية موسم الأمطار إلى انتشار أمراض مختلفة، خصوصا بعد الحالة المزرية التي أصبح يعيش فيها عشرات الآلاف من السكان الذين فقدوا منازلهم وأي مأوى لأسرهم، وهكذا ارتفعت الملاريا والإنفلونزا بشكل ملحوظ بعد الكارثة.

شرعت السلطات بشكل مباشر في إجلاء الناجين من عدد من الجزر التي دمرت، ومن ضمنها جزيرة بابي حيث قامت بهدم جميع المنازل في الجزيرة من أجل تجنب انتشار أوبئة وأمرض فتاكة بالنظر لانتشار مثل هذه الأوبئة في الأماكن التي تضربها الكوارث نتيجة تعفن الجثث والانهيارات التي تخلف ركاما وأدخنة سامة.

موازاة مع مجهودات الإغاثة والإنقاذ، وجهت الحكومة الإندونيسية طلبا المساعدة من المجتمع الدولي، من أجل دعمها في جهود إعادة الإعمار، خصوصا في ظل وجود عشرات الآلاف من السكان بدون مأوى.

< إعداد: محمد توفيق أمزيان

Related posts

Top