الشبيبة الاشتراكية تطفئ شمعتها الأربعين (18 يناير 2016-1976)

>  موسى كرزازي *

بحلول 18 يناير 2016، تطفئ الشبيبة الاشتراكية (الشبيبة المغربية للتقدم والاشتراكية سابقا) شمعتها الأربعين، حيث كانت ولادتها بالدارالبيضاء يوم 18 يناير 1976. وهو يوم فخر واعتزاز للشبيبة الاشتراكية والتقدمية خاصة، والشبيبة المغربية عامة، باعتبارها قوة حية وأداة تنظيمية فاعلة للشباب، وقوة بشرية خلاقة داعمة لاستقرار وتنمية اقتصاد البلاد.
 ويشكل الشباب المغربي المتراوحة أعمارهم ما بين 15 و 34 سنة ثلث سكان البلاد. وهي موارد بشرية ستشكل كفاءات عالية،  إذا ما تم تكوينها تكوينا جيدا وتأهيلها ثم تشغيلها فيما يفيد البلد والمجتمع. وفي غياب استراتيجية متكاملة للنهوض بأوضاع هذه الشريحة من المجتمع، تصبح عناصرها قوة مدمرة للبلد ومخربة للمجتمع، بل قد تصبح أداة فعالة لزرع الفوضى والدمار في داخل وخارج البلد، كما هو عليه الحال لمجموعة من الشباب المغربي الذين غرر بهم في جحيم بلدان الشرق الأوسط كسوريا والعراق وليبيا.. وأصبح صيدا ثمينا تستغله المنظمات الإرهابية الأكثر دموية وتخلفا في العالم، كقنابل بشرية تفجرها في الأماكن الآهلة بالمدنيين كالأسواق بالعراق والمسارح والمقاهي بباريس، والمساجد والمدراس ومحطات القطار كمدريد… ولذا، ننبه كل القوى الفاعلة في البلاد للاستثمار في الفئات الشابة وتقويتها لتكون قوة اقتراحية وقوة عمل وبناء. وإن الوقاية خير من العلاج.
مكاسب للشباب وجب تثبيتها وتثمينها

يتصادف تخليد الذكرى الأربعين للشبيبة الاشتراكية مع الأوراش التي فتحها المؤتمر الوطني السابع للشبيبة الاشتراكية، كمنظمة تقدمية حداثية عتيدة،  تطبيقا للتوصيات التي ناقشها وصادق عليها خلال انعقاده أيام 9-11 يناير 2015 ببوزىنيقة (بضاحية العاصمة). وهي تعمل جاهدة لتجديد هياكلها وتحديث وسائل عملها وخلق بنيات جديدة تواكب التطورات الشبابية لاستقبال شرائح من الشباب لها طموحات جديدة تختلف عن طموحات الأجيال السابقة التي عاشت زمن الرصاص.
إن الجيل الحالي محظوظ بالمقارنة مع الجيل الذي سبقه وعاش القمع والحرمان والضغط البوليسي. ومع ذلك، وفي ظروف صعبة وقلة للوسائل وحصار دائم،  فقد كافح إلى أن تحققت لاحقا عدة مكاسب كانت مجرد أحلام فيما مضى. وعلى سبيل المثال، فقد ناضلت القوى التقدمية والوطنية ومنها الشبيبة الاشتراكية منذ منتصف السبعينات، ليكون صوتا للشباب البالغ 18 سنة في الانتخابات المحلية والتشريعية، وليكون له الحق في الترشيح والتمثيل النيابي والمحلي في سن 21 كمنتخب يمثل الساكنة في الجماعة المحلية والبرلمان والغرف الفلاحية والتجارية..وفعلا تحقق هذا المطلب بعد نضال طويل وشاق وتضحيات جسام من جيل الرواد وشباب السبعينات والثمانيات من المنظمات الشبابية التقدمية وفي طليعتها الشبيبة الاشتراكية التي هي امتداد للشبيبة المغربية للتقدم والاشتراكية.
مكسب كهذا، تمخضت عنه عدة مكاسب ومنها الحصة التي فرضت (كوتا) لصالح الشباب في قانون الأحزاب وخاصة في المؤسسات القيادة للأحزاب، من أجل تشبيبها، وكذا في مختلف المجالس المنتخبة انطلاقا من ترشيح  نسبة من الشباب، ووصولا إلى انتخابها في مجالس الجماعات المحلية ومجلس النواب والمستشارين؛ بحيث أصبح على سبيل المثال، رئيسا لفريق التقدم الديموقراطي لحزب التقدم والاشتراكية شاب لم يكن يتجاوز الأربعين سنة، ووزيرة في نفس السن. وهي مكاسب من المفروض أن تدفع الشباب للانخراط في مثل هذه المنظمات الشبابية والحزبية لتتمكن من فرض وجودها وأخذ القرار بيدها، بعدما فتح لها المجال لتتبوأ مراكز القرار في سن مبكرة، عكس ما كان عليه الحال في العقود السابقة.
وفي ظل الحكومات المتعاقبة، وخاصة منذ حكومة التناوب سنة 1997، إلى الحكومة الحالية  (2016) التي انبثقت لأول مرة عن صناديق الاقتراع بدون تدخل المخزن كما كان الحال سابقا، حدثت طفرة استفادت منها شرائح مجتمعية، ومنها فئات الشباب، كالتغطية الصحية التي أصبحت معممة على الطلبة، هؤلاء الذين استفادوا كذلك من رفع المنح وتوسيعها إلى طلبة التكوين المهني، والمساعدة الطبية للمعوزين التي شملت أزيد من 8 مليون مواطن ومواطنة لم يكونوا يحلمون بهذه الخدمات الصحية والعلاجية بالمجان، رغم بعض النقائص التي تعالج بالتدريج، فتكذب بعض الجاحدين والمشككين في مختلف القرارات العملية التي تقوم بها الحكومة عبر وزارة الصحة، وشجاعة وزيرها السيد الحسين الوردي الذي زعزع مصالح  اللوبيات في ميدان الصحة.
أمام هذه المكاسب السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يستفيد منها الشباب ومختلف الشرائح الاجتماعية، لم يعد أي مبرر للعزوف الشبابي عن الانخراط في الأحزاب والمنظمات الشبابية الجدية والجمعيات التنموية. ولذا  لا يسمح للشباب بعد تحقيق كل هذه المكاسب الركون إلى الخمول والانتظارية واليأس الغير مبرر أو السقوط في أحضان بعض المنظمات الإرهابية المتخلفة التي تنتمي إلى عصور ماقبل التاريخ في الجهل والأمية والظلامية.

تحديات تنتظر الشباب المغربي لرفعها

 على المستوى الرسمي يصادف الاحتفال بالذكرى الأربعين لتأسيس الشبيبة الاشتراكية حدث اعتزام الحكومة الحالية (سنة 2016)، متمثلة في الوزارة الوصية “وزارة الشباب والرياضة”، إخراج وثيقة هامة تهم “الاستراتيجية الوطنية المندمجة للشباب ” وتفعيل “المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي” وفق ما نص عليه دستور فاتح يوليوز 2011 صراحة، في فصليه 33 و 170 بإحداث هذه المؤسسة الدستورية للنهوض بأوضاع الشباب والعمل الجمعوي، لما لهما من ارتباط وثيق. وهو الموضوع الذي عالجه يوم 14 يناير 2016  فريق التقدم الديموقراطي بشراكة مع الشبيبة الاشتراكية بمجلس النواب، بحضور عينة من مناضلي الشبيبة الاشتراكية من مختلف المدن والجهات. ونظرا للأهمية القصوى التي يوليها حزب  التقدم والاشتراكية ومنظمته الموازية لشرائح الشباب، فقد حظي اليوم الدراسي بأهمية خاصة تمثل في حضور وازن من أعضاء من المكتب السياسي واللجنة المركزية ومن المجتمع المدني والمنظمات الشبابية الحزبية الوطنية والديموقراطية، ولمسؤولي الشبيبة والرياضة. كما حظي اللقاء بتقديم كلمة توجيهية من الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية وكلمة بالمناسبة من طرف السيد وزير العلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، ورئيس فريق التقدم الديموقراطي بمجلس النواب إضافة إلى كلمة الكاتب العام للشبيبة الاشتراكية، وعروض هامة تلتها مناقشة معمقة حول مشروع الاستراتيجية الوطنية للشباب وكيفية تفعيل المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي.
هذا الحضور الوازن يترجم الأهمية التي يعلقها مسؤولو الشبيبة الاشتراكية على انخراط الشباب في المنظمة  للدفاع عن حقوقهم والقيام بواجباتهم التي خولها لهم الدستور الجديد (يوليوز 2011).
فرغم ما تحقق من مكاسب، وما يحضر من استراتيجية ومجلس للشباب للنهوض بأوضاع الشباب والعمل الجمعوي، فلا تكفي النصوص المطبوعة على الورق في الدستور أو القوانين الصادرة لتفعيلها، رغم أهمية الدسترة الواردة في بنود الدستور المتقدم لسنة 2011 والذي استجاب لمطالب الشباب في الحراك الجماهيري بشوارع المدن الذي كان عموده الفقري ومحركه الشباب الواعي الخلاق، ورغم  أهميتها كنصوص قانونية وتشريعية. فلا بد من انخراط الشباب بكثافة ووعي في المنظمات الجماهيرية كالشبيبة الاشتراكية والأحزاب التقدمية المساندة لقضايا الشباب، لتثبيت المكاسب، ورفع التحديات ومنها محاربة آفة البطالة، والفقر في بعض الأوساط (الأحياء الشعبية والبوادي النائية) بخلق فرص الشغل للعاطلين في القطاعين العام والخاص عبر تشجيع المقاولات المواطنة الصغرى والمتوسطة، ومحاربة الأمية التي تفتك بثلث الساكنة المغربية (وخاصة في البوادي وفي وسط الإناث)، ورفع تحدي انخفاض مستوى التعليم والبحث العلمي وضرورة تجويده عبر ترقية ظروف التعلم في المدرسة العمومية والجامعة.
وعلى الدولة في تنسيق مع القطاع الخاص ومختلق الفاعلين ومنها المنظمات الشبابية الحزبية والمجتمع المدني، الاهتمام بالشباب عبر توجيهه للاهتمام بالفنون الجميلة من رسم وموسيقي ورقص،  والأنشطة الترفيهية والرياضية عبر تهيئ دور الشباب والمسارح وملاعب القرب والمسابح في المدن الداخلية، والمكتبات في كل حي وقرية، وتشجيع التلاميذ في المدراس العمومية، وخاصة في الإعداديات والثانويات التأهيلية والجامعات، لخلق مشاتل للمواهب التي يفخر بها بلدنا، مع استقطاب الكفاءات وتشجيعها. خلق مثل هذه التجهيزات والبنيات والأنشطة هو السد المنيع لكل أشكال الانحرافات وفي مقدمتها، الإدمان على المخدرات، والإجرام والسقوط في أحضان المنظمات الإرهابية الظلامية. هذه هي الاستراتيجية الحقيقية للنهوض بأوضاع الشباب، وهي مفتاح الفرج للشباب المهمش، وخلاص البلاد من كوارث التطرف والفوضى.  

خلاصة

نغتنم هذه الفرصة، ونحن نحتفل بالذكري الأربعين لتأسيس الشبيبة الاشتراكية، لنرحب بكل الشباب الواعي الغيور على بلده، والمناضل في سبيل الارتقاء بمستوى أوضاع الشباب المغربي بكل فئاته العمرية والاجتماعية، للانخراط في أندية وتنظيمات الشبيبة الاشتراكية، والعمل مع شاباتها وشبابها في الأوراش التربوية والفنية والرياضية والأعمال الإبداعية والخلاقة، وتوسيع صفوفها، عبر إدماج المبدعين والمبتكرين الفنانين والطلبة والتلاميذ والشبيبة العاملة بالمدن والشبيبة الفلاحية بالأرياف في بنيات خلاقة دينامية متكيفة مع ظروف كل حي وقرية ومدينة.
وسيتأكد الشباب المنخرط بجدية عمل المنظمة الشبابية وبمصداقيتها وسط الشباب على الساحة الوطنية والدولية، وسيستفيد بدون شك من ريع تضحيات أسلافه. وسيؤسس الشباب الحالي، هو أيضا، لثقافة جديدة لفائدة الأجيال القادمة لتحقيق المثل الحكيم القائل  “غرسوا فأكلنا ونغرس فيأكلون”.

* مناضل سابق في الشبيبة المغربية للتقدم والاشتراكية

Related posts

Top