أمن الحدود

احتضنت الرباط لقاء كثير الأهمية في سياق تغيرات ومخاطر الحركية الإقليمية والدولية، ويتعلق الأمر بأشغال «المؤتمر الوزاري الإقليمي الثاني حول أمن الحدود»، وتضمن جدول أعماله التباحث حول سبل تقوية الأمن على الحدود، وأيضا تعزيز التعاون الدولي والإقليمي من أجل الأمن والسلم والاستقرار والتعاون.
إن مجرد انعقاد هذا المؤتمر في العاصمة المغربية أولا يمثل إشارة تقدير للمملكة ولدورها على الصعيد الإفريقي، كما أن ذلك يعني فشل كل المناورات التي سعت، خصوصا من طرف الجار الشرقي، إلى إقصاء المغرب وإبعاده عن قضايا وتفاعلات منطقة الساحل والصحراء، وعن الانشغالات الأمنية والإستراتيجية  لبلدان القارة الإفريقية.
ويشار إلى أن المؤتمر المذكور يندرج في إطار تعزيز مراقبة الحدود في منطقة شمال إفريقيا وفضاء الساحل والصحراء وتأمينها، وتوطيد الحوار والتشاور بين دول المنطقة والشركاء الدوليين وتطوير التعاون العملياتي في المجال الأمني لمحاربة الإرهاب، والجريمة المنظمة، بما في ذلك تهريب الأسلحة والمخدرات، وكذا الهجرة غير الشرعية.
كما يهدف المؤتمر إلى تبادل التجارب والخبرات حول تدبير أمن الحدود ووضع آليات للتنسيق وتبادل المعلومات بين المصالح الأمنية، وكذا دراسة سبل إدماج وإشراك الساكنة المحلية في تدبير الحدود، من خلال وضع سياسات تنموية موجهة للمناطق الحدودية وللمناطق التي تشكل منطلقا للهجرة غير الشرعية.
وبالنظر لكل هذه الأهمية التي يجسدها اللقاء وموضوعه، فقد سجل المراقبون غياب وزير الخارجية الجزائري عن أشغاله، مقابل حضور كثير من نظرائه من البلدان المشاركة، واكتفى البلد الجار للمغرب بإيفاد ديبلوماسي من خارجيتها للمشاركة، وقد ذهب بعض المتابعين إلى تفسير ذلك بكون الجزائر لم تكن لتقدم للمؤتمر أي دليل جدية، ما دام نظامها لا يفهم من تأمين الحدود سوى إغلاقها، كما هو الأمر عليه مع المغرب مثلا.
وبهذا الخصوص، فقد كان لافتا تأكيد وزير الداخلية المغربي، في كلمته أثناء افتتاح المؤتمر، على أن تأمين الحدود لا يعني بالضرورة انغلاق كل دولة على نفسها، بل يجب أن تظل هذه الحدود كما كانت دائما عبر التاريخ فضاء للتبادل بين الشعوب والمجالات الإنسانية والتجارية والثقافية، مسجلا أن أي نظام لمراقبة الحدود لا يسمح ولا يشجع التدفقات المشروعة للأشخاص والسلع لن يكون أبدا في مستوى تطلعات شعوب بلدان هذه المناطق التي يتم العمل على تثبيت استقرارها وضمان رفاهيتها وازدهارها، كما أكد على ضرورة تجاوز كل سياسة تطبعها الأنانية الوطنية المرتكزة على تقدير ضيق لمصالح بلدان المنطقة كل على حدة، واعتماد مقاربة شاملة تعتمد، بالإضافة إلى البعد الأمني، احترام حقوق الإنسان وإرساء قواعد الحكامة الجيدة والعمل على النهوض بالتنمية السوسيو اقتصادية، معتبرا أن التصدي للأخطار المحدقة ببلدان المنطقة من جراء ما تعرفه من انفلاتات يعتبر من الأولويات القصوى، وهو ما يستوجب تجاوز كل الخلافات والعمل سويا لتوحيد الجهود من أجل رفع هذه التحديات الأمنية.
إن تأمين الحدود لا يمكن أن ينجح إلا من خلال اعتماد مقاربة شمولية تقوم على الانفتاح، وعلى احترام حق الشعوب في التنقل والتواصل والتفاعل فيما بينها، ومراعاة حقوق وحاجيات ساكنة المناطق الحدودية، بالإضافة إلى أهمية تمتين التعاون الإقليمي بين البلدان المعنية، وتعزيز الدعم الدولي لذلك.
وضمن هذا الأفق بالذات، تبرز الجزائر كطرف معرقل بامتياز وكمعيق لكل دينامية ايجابية على هذا الصعيد، سواء فيما يتعلق بحدودها المغلقة مع المغرب، أو في الانفلاتات الأمنية المتنامية على مستوى حدودها الأخرى، أو أيضا من خلال عقلية نظامها العسكري المصرة دائما على الانفرادية والانغلاق والإمعان في محاربة المغرب وإقصائه.

[email protected]

Top