في ذكرى «20 فبراير»

أمس الأربعاء، حلت الذكرى الثانية للحراك الشبابي المغربي الذي عرف بـ «20 فبراير»، وتباين استقبال المناسبة بين من تخيل احتفالا بعيد ميلاد للحراك، ومن استثمر الفرصة لتجديد عبارات التأبين في حقه، وطرف ثالث لاذ بعضه بالصمت، ويواصل بعضه الآخر تنظيره الواهم، أو يركب بوليميكا عقيما. فعلا، لقد برز حراك «20 فبراير» في المنطلق من خلال طبيعته الاحتجاجية، وأيضا من خلال هيكليته الشبابية، وثالثا من خلال تميزه باعتماد الشارع كفضاء للتعبير عن الرأي ورفع المطالب، وبالنظر لذلك كله، واعتبارا للظرفية الإقليمية المتزامنة، وأساسا التوهج الإعلامي الفضائي المواكب لهذا النزول العربي إلى الشارع بلا خوف، فإن الحراك الفبرايري المغربي فرض ذاته إعلاميا بالخصوص، ما أفرز كثير أوهام وتخيلات بداخله وفي محيطه.
لم يكن كثيرون يريدون الانتباه إلى أن حراك «20 فبراير» كان يفتقر إلى… الأفق، وكان يغيب عنه الوضوح في الأهداف والمطالب والعلاقات والمواقف، وأساسا في تقدير موازين القوى على الأرض بعيدا عن الأحلام الطفولية للمواقع الافتراضية.
لقد صدق بعض المتياسرين أحلامهم بأن زمن الثورة حل، وأن هذا الحراك هو الطريق لإسقاط كل شيء، ولإحداث كل القطائع الجذرية، ولتحقيق ما تنقله لهم الفضائيات عما يحدث في بلدان عربية أخرى، وبعض المتطرفين الدينيين آمنوا، من جهتهم، أن القومة هذا وقتها، وأن هذا الحراك الشبابي هو الذي سيقودهم إلى… الإمارة المشتهاة، فبدأت تكبر أحلام وتخيلات الطرفين، إلى أن دفعهم ذلك إلى التنسيق والعمل المشترك، قبل أن تلتف حبال التناقض على أعناق الكل، وينفرط العقد، وتتحول كل الأشياء إلى… لا شيء.
إن أهم تميز اكتسبه حراك «20 فبراير»، وبسرعة أضاعه، يبقى هو دخول الشباب إلى حلبة السياسة كفاعل جديد، بالإضافة إلى اعتماد الشارع كفضاء مكاني للتعبير عن المطالبة بالتغيير، لكن الافتقار إلى أفق سياسي واضح، وغياب فهم حقيقي لطبيعة موازين القوى على الأرض، جعل التميز المشار إليه يأفل، ويعود إلى معانقة العزوف واللاهتمام.
أما المعضلة الجوهرية الثانية، فهي أن «20 فبراير» صدقت، أو أوحي لها بذلك، أنها يمكن أن تكون بديلا للأحزاب والنقابات ولكل القوى الديمقراطية الأخرى، ومن ثم صوبت السهام في كل اتجاه، وبقيت تدور حول نفسها، وحول بعض التنظيمات الميكروسكوبية المتناقضة فيما بينها، ما جعلها وحيدة بلا أسلحة أو امتداد أو أفق، فعجزت أن تبني داخل المجتمع جبهة شعبية واسعة من أجل الإصلاح والديمقراطية وضد الفساد والمفسدين.
من المؤكد أيضا، أن ممارسات تنظيمية وعلائقية داخلية كانت وراء انحسار دينامية الحراك الشبابي وفشله، ولكن المعضلة الأكبر تبقى مجسدة في ضعف قراءة التميز المغربي واختلافه عن الجغرافيات العربية الأخرى، وعلى كل حال، فإن التقديرات الخاطئة كانت دائما وراء فشل حركات كثيرة عبر التاريخ، ما خلف وخلف كثير دروس تستفيد منها الشعوب والقوى السياسية.
وإن الدرس الأكثر راهنية لبلادنا اليوم هو استمرار الحاجة إلى انخراط شبابنا وعموم شعبنا في محاربة الفساد ورفضه، وفي مساندة الإصلاح والديمقراطية، ودعم القوى الديمقراطية الحقيقية من أجل مغرب أكثر ديمقراطية وتقدما واستقرارا.
[email protected]

Top