الكاتب العام لجمعية أطاك المغرب محمد أبوض لـ “بيان اليوم”

«استقلال القرار لدى أطاك المغرب يبدأ وينتهي في مؤتمراتها الوطنية ومجالس التنسيق الوطني»
تعد جمعية أطاك المغرب من بين الجمعيات الحديثة النشأة ،فهي  تعد إحدى الهيئات التي ارتبط تأسيسها ببروز حركة دولية لمناهضة العولمة والنيوليبرالية والتي تبدت بشكل صارخ مع حلول القرن الواحد والعشرين.


ولمعرفة السياق المغربي الذي تحكم في انبثاق أطاك المغرب وعملها وطنيا ومدى ارتباط أجندتها بأجندة أطاك العالمية ،بل ومدى استقلالية قرارها عن هذه الأخيرة.. وقضايا أخرى… التقت جريدة بيان اليوم» مع  محمد أبوض الذي انتخب قبل أشهر قليلة كاتبا عاما جديدا للجمعية .وكان  نص  هذا الحوار:
* كيف جاءت فكرة تأسيس أطاك المغرب، هل انطلاقا من توافر أرضية محلية تستدعي هذا النوع من الجمعيات، أم  في إطار الحركية العالمية للمجتمع المدني؟
– يمتزج العاملان معا في  فهم دواعي تأسيس أطاك المغرب ، فهذه الأخيرة تأسست سنة 2000، تفاعلا مع الحركات العالمية المناهضة للعولمة الرأسمالية وكرد على الهجوم النيوليبرالي الذي تقوده الدولة المغربية تنفيذا لمقررات المؤسسات المالية والتجارية الدولية، الخادمة لمصالح الشركات المتعددة الجنسية والمضاربين الماليين. فقد توالت برامج التقويم الهيكلي التي تتناقض مع أي تنمية حقيقية وتضمن تحويل ثروات الشعوب الفقيرة إلى الرأسمال الأجنبي المتمركز أساسا في الشمال، وذلك عن طريق تسديد الدين الخارجي الذي لم يستفد  منه المواطن. فالدولة المغربية تخصص ما يقرب من ثلث الميزانية العامة لخدمة الدين (30.35 بالمائة سنة 2007).  كما أنها ارتبطت بمعاهدات استعمارية جديدة (اتفاق التبادل «الحر» مع أوربا ثم  الولايات المتحدة الأمريكية، …). وتسهر باستمرار على التطبيق الحرفي لتوصيات وإملاءات المؤسسات الإقتصادية العالمية (صندوق النقد الدولي، البنك العالمي والمنظمة العالمية للتجارة). ويتجلى ذلك من خلال تسريع عملية خوصصة القطاعات والخدمات العمومية من صحة وتعليم وماء وكهرباء ونقل، وما إلى ذلك. وكذا تفويت تسيير مجموعة من المرافق إلى الخواص في إطار ما يعرف بالتدبير المفوض، إضافة إلى التراجع الكلي أو الجزئي عن دعم بعض المواد الأساسية من زيت وسكر ودقيق وقمح وحليب…
إن المنطق الذي دفعنا لتأسيس أطاك المغرب واضح: نحن بشكل مختصر ضد العولمة الرأسمالية  لأنها تعبر في جوهرها عن طموح الرأسمال إلى الحرية المطلقة، ضدا عن كل اعتبارات اجتماعية بل ضد اعتبارات السيادة الوطنية. ولأنها تحرم المواطنين الذين لا ينتمون للطبقات الحاكمة من أية إمكانية للتحكم في مصيرهم و تنفيذ أولوياتهم . نحن ضد هذه العولمة لأنها عاجزة على مواجهة التهديدات البيئية بل هي سبب تدمير البيئة . ونحن ضد العولمة لأن مصيرنا في المغرب تقرره المؤسسات المالية والتجارية العالمية والشركات العابرة للقارات.
* من بين إفرازات العولمة بروز مجتمع مدني لعب دورا متميزا على المستوى المحلي والعالمي أيضا، فإلى أي مدى يرتبط نضال «أطاك المغرب»بأجندة الحركات الاحتجاجية على المستوى العالمي؟
– أطاك المغرب جزء من الحركة العالمية لمناهضة العولمة ، لذلك فمن الطبيعي أن ترتبط بالأجندة  التي يتم الاتفاق حولها غالبا إما في لقاء الحركات الاجتماعية أو في المنتديات الاجتماعية العالمية،  وغالبا ما ترتبط هذه التحركات باحتجاجات موازية لاجتماعات المنظمة العالمية للتجارة أو منتدى دافوس أو قمة الثمانية –قمة العشرين ، وقد برزت قوة هذا التنسيق العالمي للحركة إبان الحرب على العراق ، فالمبادرات المتزامنة للحركة على صعيد عالمي كان لها الأثر الحاسم في تشكيل رأي عام عالمي مناهض للحرب .
إن هذا الترابط بين مناهضي العولمة على الصعيد العالمي أحد الأسس التي انبنت عليها هذه الحركة منذ بداياتها ، فالقائمون على تنفيذ سياسات العولمة الرأسمالية يعتمدون التنسيق وأجندة موحدة عالميا ومن الطبيعي أن يكون لمناهضيها نفس التنسيق العالمي لكونهم ساعين لتحقيق عولمة أخرى في خدمة الشعوب.
وخارج مثل هذه التنسيقات المؤقتة التي ذكرناها أعلاه فان أطاك المغرب عضو في مجموعة من الشبكات الدولية: شبكة «عالمنا ليس للبيع»-  OWINFS ،  والشبكة الأوربية للدفاع عن الخدمات العمومية وشبكة «المسيرة العالمية للنساء- فرع المغرب». كما أنها عضو في اللجنة العـــالمية لإلغـاء ديون العالم الثالث .
* بما أن  حركة أطاك موجودة على المستوى العالمي، فأين تبدأ وتنتهي استقلالية القرار لدى أطاك المغرب عن هذه الحركة؟
– الكثير من المتتبعين المغاربة  لعمل الحركة العالمية لمناهضة العولمة  لا يستوعبون كفاية الوسائل التنظيمية لهذه الحركة  ويفهمونها بالصيغة الهرمية الكلاسيكية للتنظيم، وهذه مسالة خاطئة ، فقوة هذه الحركة في ارتكازها على فلسفة في التنظيم قوامها : – سياسة مرنة للعضوية لاستيعاب تعدد الرؤى والمشارب الفكرية والسياسية .
– الارتكاز التنظيمي على أجهزة تنسيق وليس أجهزة قيادة.  – الارتكاز على تحقيق أرضيات واتفاقات عملية مشتركة  أكثر من استهداف  تحقيق وحدة الرؤية والاستراتيجية ، وهو ما يعني ترك هذه الاخيرة لمراكمة تجارب ملموسة ستؤكد في المستقبل صحة هذا الرأي أو ذاك .إن فلسفة التنظيم هاته هي التي ساهمت في تقوية الحركة وضمان الانتماء التعددي الواسع لها .
وعلى هذا الأساس فان قضية استقلال القرار لدى أطاك المغرب يبدأ وينتهي في مؤتمراتها الوطنية ومجالس التنسيق الوطني . كما نوضح للجميع بهذه المناسبة أن أطاك العالمية ليست لها قيادة تنظيمية عالمية  والارتباط بين فروع أطاك بأكثر من 50 دولة هو فقط في البرنامج الشمولي لمناهضة العولمة مع اختلافاتهم في بعض التكتيكات والبدائل تبعا لتجاربهم الخاصة ، وفي بعض اللقاءات العالمية التي تقرر برامج ومبادرات عملية مشتركة. وهكذا  فإن الانتماء لشبكة أطاك الدولية هو اذن انتماء للحركة  وليس لتنظيم ذي قيادة دولية كما يتصور البعض.
* الارتباط بحركة أطاك عالميا يفرض أحيانا الدفاع عن قضايا لاتشكل أولوية بالنسبة للواقع المغربي، ألا يعني هذا الابتعاد عن المشاكل الحقيقة للمواطن والسقوط في النخبوية؟

 

– من طبيعة عملنا – الانخراط في أجندة الحركات العالمية التي نحن جزء ممن يقررونها ، لكننا لسنا مقتنعين بانها بعيدة عن المشاكل الحقيقية للمواطن المغربي . إن طرحنا لقضية الديون الخارجية مثلا قد يظهر للمواطن البسيط على أنه قضية  بعيدة لا تهم معيشه اليومي ، لكنها في حقيقة الأمر تمثل أم الأسباب التي أدت إلى  توسيع الهشاشة والفقر ،لكون استرداد الديون يلتهم حوالي ثلث الميزانية العمومية سنويا .
وهذا المثال لا يؤكد النخبوية من حيث جوهر الفكرة لأنها صحيحة وأساسية ، لكن نخبويتنا طبقا لهذا المثال تكمن في عجزنا لحد الآن عن مراكمة أدوات وخطاب بسيط ليفهم المواطن هذه المسالة وينخرط معنا في مطلب إلغاء الديون , وهذه إشكالية  كانت محط نقاش في المؤتمر الثالث ، وسنسعى لإنتاج أدوات وخطاب مبسط لتحقيق هدف التثقيف الشعبي المتجه نحو الفعل.
* بالنسبة لوضع المغرب حاليا، ما هي المطالب التي تناضل من أجلها الجمعية؟
– إن مجمل المطالب التي تناضل من أجلها أطاك المغرب تضمنتها أرضيتها التاسيسية وهي كالتالي : رفض سياسات التقويم الهيكلي و جميع السياسات المفروضة من قبل المؤسسات الإمبريالية خدمة لمصالح الشركات متعددة الجنسية، التي ترمي بأغلبية سكان بلدان الجنوب في غياهب التخلف والجهل و الحرمان. ورفض سياسة خوصصة المؤسسات العمومية  و النضال من أجل قطاع عمومي مسير ديمقراطيا تحت رقابة شعبية. ورفض «الإصلاحات» الليبرالية لأنظمة الحماية الاجتماعية الهادفة  إلي ضرب طابعها التضامني لصالح منطق الرسملة.
هذا فضلا عن رفض الزيادات المهولة في  الأسعار، والمطالبة بسن قانون السلم المتحرك للأجور و الأسعار ، ورفض المناطق الحرة (الصناعية و التجارية و المالية…)  إنها جنات ضريبية للرأسماليين.
والنضال من أجل إلغاء الديون العمومية( الخارجية و استرجاع أموال الدولة) و وقف تسديدها وتخصيص ميزانيتها لتحسين شروط حياة المواطنين، ذلك أن  الديون ليست إلا مضخة لترحيل ثروات بلدنا إلى بلدان الشمال و  لتنمية أرباح رأسماليين محليين، فيما يتحمل الشعب أعباء تسديدها، مع المطالبة بإعادة النظر جذريا في النظام الضريبي عبر فرض ضريبة تصاعدية على الثروات و ضرائب على  المعاملات المالية، و إلغاء الضريبة على  الأجور الدنيا ، وإقرار نظام جبائي عادل.
هذا مع إقرار الحقوق الثقافية و اللغوية الأمازيغية و ترسيمها، ورفض الطابع العسكري للعولمة الرأسمالية وتساند مقاومات الشعوب، والنضال من أجل إقرار الحريات الديمقراطية وإلغاء كلفة القوانين المقيدة لها، ومحاكمة مرتكبي الجرائم الاقتصادية و السياسية ومصادرة ثرواتهم.وكذا مساندة  نضالات الجماهير من أجل الدفاع عن الثروات الطبيعية ومجالها البيئي.
وحين نطرح أهم هذه المطالب فنحن نقوم بشرحها لنبين للجميع أننا لسنا مجموعة عدميين بل نحن جمعية تطرح مطالب ممكنة التحقيق مستندين في ذلك إلى تجارب الشعوب خاصة تجارب بعض البلدان بأمريكا اللاتينية  التي بينت واقعية بناء نظام اجتماعي قائم ليس على هدف الربح بل على هدف خدمة الإنسان الذي هــــو أساس كل تنمية حقيقية .
* بالنسبة لأطاك المغرب،  ما هي الإضافة النوعية التي قدمتها إلى جانب الجمعيات النشيطة على الساحة الجمعوية بالمغرب؟++
– الإضافة النوعية التي تقدمها أطاك المغرب تضمنها قانونها الأساسي . فالجمعية تهدف إلى مسألتين ،تقديم و بث و تعميم المعلومات حول القرارات التي تتخذها كبريات المؤسسات المالية والتجارية والسياسية الدولية، و كذلك تحسيس المواطنين بآثارها السلبية. والمساهمة في الدفاع عن حقوق المواطنين بكافة الأشكال المشروعة لمواجهة الآثار السلبية للعولمة الليبرالية.
إن جوهر مشروعنا (الذي لا يمثل بديلا عن الإطارات القائمة بقدر ما هو قيمة مضافة لها ) هو إقناع النخب بمنظورات مناهضة العولمة الرأسمالية وطرح بديل عولمة  أخرى عادلة وإنسانية ، لينخرطوا معنا في عملية التثقيف الشعبي الواسع وتلقيح الحركات الاحتجاجية العفوية بهذه المنظورات النقدية وبرصيدنا من دروس تجارب النضال المحلي والعالمي .
* انطلاقا من تراكم تجربتكم، هل الفقر هو على مستويات ؟وكيف يمكن تصنيف موقع المغرب ضمن هذه المعادلة؟
– للإجابة على هذا السؤال، أحيلكم  على مقال أنجزه صديقي ميمون رحماني عضو السكرتارية السابقة  بعد صدور تقرير ال  PNUD(برنامج الأمم المتحدة للتنمية) حول التنمية البشرية لسنة 2009 .
فقد كان تدخلا لإبراز فكرتنا داخل السجال الذي يسود النخب الفكرية بالمغرب حول هذا الموضوع ، فالبعض باستناده لمقاييس في تحديد الفقر يسعى لرفع نسب التنمية البشرية لاظهار تقدم المغرب في حين أن المعايير التي تستند إليها المنظمات الدولية مختلفة وتؤدي  إلى نتائج مغايرة .
فالدراسة التي أجرتها المفوضية السامية للتخطيط في عام 2007 خلصت إلى وجود 2.8 مليون شخص يعيشون تحت عتبة الفقر! و هكذا فمعدل الفقر هو 9 ٪. وأشار التقرير إلى أنه، منذ عام 2001، خرج 1.7 مليون من المغاربة من براثن الفقر. و يعتقد هذا التقرير أن المغرب لديه فرصة كبيرة لتحقيق الأهداف الإنمائية للألفية!  
وفقا لتقرير البنك الدولي بعنوان «الخروج من الفقر» الصادر في يوليوز 2007، يعيش 15 ٪ من السكان في حالة فقر ثلثهم يعيشون في الوسط القروي. أولئك الذين يعيشون على 50 ٪ تحت عتبة الفقر يعتبرون «معرضين اقتصاديا « للأمراض أو للطقس أو لفقدان الوظيفة.    و بالتالي ف40 ٪ من السكان يواجهون صعوبات في الحفاظ على نمط عيش متواضع أو مجرد البقاء على قيد الحياة يوما بعد يوم!
كما أثيرت خاصية النوع حيث أن 2.5 مليون طفل ولا سيما الفتيات لا يذهبون إلى المدرسة و 83 ٪ من النساء أميات.
لكن رغم هذا  الاستعمال المختلف لمقاييس الفقر (الفقر الغذائي و الفقر النسبي و الفقر المطلق ) فالنتائج التي خلص إليها تقرير ال  PNUD لها الدلالة الكافية , فقد ، احتل المغرب المرتبة 96 بين 135 بلد حسب مؤشر الفقر البشري (IPH-1) مع احتمال الوفاة قبل 40 سنة ل66.6 ٪. ف 17 ٪ من السكان المغاربة لا يستخدمون مصادر الماء الشروب و 2.5 ٪ منهم يعيشون بأقل من 1,25 دولار أمريكي في اليوم و 14 ٪  بأقل من دولارين في اليوم!
وبتجاوز نقاش مقاييس الفقر تتجلى الاعتبارات المتعلقة  بالأسباب الاقتصادية والاجتماعية التي تنتج الفقر والفقراء والتي تكمن في إلغاء صندوق الدعم  وتعميم الهشاشة في التشغيل وضعف أنظمة الحماية الاجتماعية وخوصصة الخدمات الاجتماعية العمومية .
ما يغيب أيضا في النقاشات الدائرة داخل النخب حول هذا الموضوع هو البدائل ، فالعديد منهم يمتدحون مقترحات المندوبية السامية للتخطيط  بالغاء صندوق الدعم وتعويضه بنظام يحدد عدد الفقراء و بالتالي مساعدتهم بعلاوات مالية شهرية , دون النقاش حول بدائل جوهرية  للنظام النيوليبرالي .

Top