الأمطار الأولى تفضح

في كثير من مدننا، بما في ذلك الكبيرة منها أو المتوسطة، ما إن جادت السماء بقطرات الغيث الأولى حتى حلت المعاناة بالسكان. هنا المياه تجمعت في الشوارع ووسط الأحياء، وهنا أحاطت ببيوت الناس البسطاء من كل الجوانب وجعلتهم أسرى المعاناة، بل شهدنا انهيار بنايات في بعض المدن…
وهنا قنوات الصرف الصحي غمرت الشوارع، ولو أن بعضها قيل إنه خضع للصيانة فقط منذ شهور أو أسابيع، كما أن حركة النقل أو المرور عبر بعض الطرقات في مدن كثيرة شهدت ارتباكات متعددة في الأيام الأخيرة، وكثرت الحفر في الطرقات والشوارع، وبعضها غمرته المياه…
بمجرد ما تنزل الكميات الأولى من الأمطار إذن تبرز هذه الصورة المعهودة في كثير من شوارعنا وأزقتنا، وهي أن المياه تغمر الطرقات والأحياء، وتبقى فيهما لأيام، وفي كل عام تتكرر معاناة الساكنة ومستعملي الطريق، وتفضح السماء الواقع المزري لبنياتنا التحتية، وأيضا غياب كثير من مجالسنا الجماعية.
لقد بات الواقع المتحدث عنه هنا واضحا وفاضحا وسط الدار البيضاء والرباط، وليس فقط في المدن الصغرى والمتوسطة، أو في المناطق الريفية والأحياء الشعبية؛ والمعضلة، بالتالي، صارت ذات ملحاحية، وتتطلب الانكباب الجدي والمستعجل بغاية إيجاد الحلول لها رحمة بالطبقات الكادحة من شعبنا، وصيانة للحد الأدنى من كرامة العيش لفائدتها.
إن الأمر يقتضي بداية إصلاح، أو تغيير، شبكات الصرف الصحي، ومجاري المياه، وأيضا ترميم الحفر الكثيرة المنتشرة في الطرقات والشوارع وإصلاح الشبكة الطرقية وسط المدن وداخل الأحياء، ثم تقوية الإنارة العمومية داخل الأحياء، وهذه تبقى مطالب بسيطة يكررها السكان مع بداية كل موسم شتاء، وهي من صميم مهام ومسؤوليات المجالس المنتخبة، التي لا يفهم المواطنون طبيعة دورها إذا لم يكن هو هذا بالذات.
لقد وجدت هذه المؤسسات التمثيلية بالذات لتكون قريبة من السكان ومن انشغالاتهم ومعاناتهم وللعمل على التخفيف من حدتها، وبالتالي توفير البنيات التحتية وتحسين الخدمات البلدية في النظافة والصرف الصحي والطرق والإنارة.
وفي الإطار نفسه، يعتبر إنجاح السياسات العمومية ذات الصلة بالسكن والتهيئة العامة لمجالاتنا السكنية وتجهيزها بما يحقق للسكان الشروط الأساسية لظروف عيش آدمية كريمة، هو المدخل الجوهري للتخفيف من حدة معاناة الساكنة، ومن ثم، يعتبر هذا ورشا أساسيا يتطلب انخراط مختلف الأطراف في الدولة وفي القطاع الخصوصي بغاية التقليص من حدة ومظاهر البؤس التي تفضحها التساقطات المطرية كل عام.
إن هذه المعضلات المشار إليها هنا تفضح اليوم الاختلالات الكبيرة التي يعاني منها عملنا الجماعي في المجالس الحضرية والقروية، وتؤكد حاجة بلادنا إلى انكباب مستعجل وجدي وشمولي لتحسين واقع العيش في كثير من مدننا، وخصوصا على صعيد السكن والبنيات التحتية الأساسية.
[email protected]

Top