التركيز على… العمق

أحيانا يصاب المرء باستغراب كبير عامر بالأسف لما يتابع ما ينشر ويكتب ويقال في أوساطنا بشأن بعض المحطات الوطنية الأساسية، وعندما يرى كيف يتم التركيز على الهوامش من الأشياء وننسى عمقها، و… نضيع علينا وعلى بلادنا الفرص.
منذ يوم انعقاد جلسة الجمعة في مجلس النواب مثلا، ونحن لا نقرأ سوى أخبار كواليس التصويت على الرئيس وتداعيات وخلفيات الأرقام، وأيضا بعض الوقائع التي يقال بأنها حدثت في محيط قاعة الجلسات أو على السلاليم…
لم نعاين لحد الآن حوارا مكثفا حول أجندة البرلمان للمرحلة المقبلة، ولم نر حديثا عميقا عن النصوص المنتظرة أو عن برنامج الرئيس الجديد، والحال أن ما تبقى اليوم من مدة محدودة في عمر الولاية الحالية يفرض تركيز النقاش الوطني بالذات حول هذه القضايا الجوهرية، وحول المطلوب من المؤسسة التشريعية لإنجاح مسلسلات الإصلاح في بلادنا، وتفعيل مضامين وآفاق الدستور.
نخشى أن يكون هذا «الشرود» مقدمة لإغراقنا خلال دورة أبريل في ملاسنات شكلية جديدة عقيمة بين الأطراف السياسية، ويتواصل التردي.
من جهة ثانية، تسير أخبار «التشرميل» نحو التحول إلى مجرد وقائع وقصص عجائبية مفزعة ومروعة للجمهور، وبدل أن تتيح المناسبة تأملا عميقا في واقع الجريمة ببلادنا، والبحث الجماعي عن سبل تقوية الأمن في مدننا، وتمكين شعبنا من الطمأنينة، صار الحديث مرة أخرى يتركز في … هوامش الأشياء.
المطلوب اليوم أن ينخرط الكل في حماية أمن البلاد وسكانها، وأن تتركز التعبئة المدنية والإعلامية والسياسية حول إسناد المبادرات العمومية الجدية، والتنبيه باستمرار إلى ضرورة احترام القانون وحقوق الإنسان وكرامة الناس، وبالتالي جعل بلادنا تنجح في كسب رهان الجدلية المشكلة من صيانة الأمن والاستقرار وحماية سلامة المواطنات والمواطنين، وأيضا احترام القانون والحريات الفردية ومقتضيات حقوق الإنسان ودولة المؤسسات.
في النموذجين الواردين أعلاه )البرلمان ومحاربة الجريمة( واضحة إذن مخاطر إنتاج الشرود من لدن المراقبين والإعلام والمنظمات المدنية، وبالتالي التركيز على الهوامش المثيرة مقابل إغفال مسؤولية الجميع في جعل الاهتمام الوطني ينصب على… العمق.
معاينة ثالثة لها أهمية وطنية كبيرة تمثل اليوم أمامنا عند متابعة ما يقال ويكتب وينشر، ويتعلق الأمر بأخبار قضيتنا الوطنية في مجلس الأمن وحواليه، حيث لا نحس انخراطا كبيرا وتعبويا لإسناد وتعزيز موقف البلاد، وبالتالي هنا أيضا نخشى من الإصرار على إبراز الأشياء الثانوية وإغفال تسليط الضوء على عمق التحديات الوطنية، وأيضا على المواقف الوطنية المغربية.
ربما يكون المشترك بين هذه المعاينات الثلاث ضعف انفتاح السلطات الرسمية المعنية، وضعف رواج المعلومة ووصولها مثلا إلى وسائل الإعلام الوطنية، ولهذا لابد اليوم أن يتعزز الوعي الجماعي بأهمية هذا الانفتاح والتواصل على الإعلام، أي مع الرأي العام الوطني، وبالتالي إشراكه في القضايا الوطنية الكبرى )الوحدة الترابية، صيانة الأمن والاستقرار في المدن ومحاربة الجريمة، تطوير عمل البرلمان وباقي مؤسسات البلاد وتأهيل الأداء العام لمنظومتنا السياسية والانتخابية(، وذلك حتى لا يبقى التركيز في الساحة  فقط على هوامش الأشياء، أي تضييع الفرصة على بلادنا وشعبنا.
[email protected]

Top