العلاقات مع واشنطن

من المؤكد أن وصف البيت الأبيض، في بيان صدر عشية لقاء جلالة الملك بالرئيس الأمريكي في واشنطن، مقترح المغرب للحكم الذاتي بالجدي والواقعي وذي المصداقية، وإعلانه أن المقترح المذكور يمثل مقاربة يمكن أن تلبي تطلعات سكان الصحراء لتدبير شؤونهم الخاصة في إطار من السلم والكرامة، قد يعتبر العنوان المعبر عن نجاح الزيارة الملكية إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وهو فعلا دليل انتصار ديبلوماسي وسياسي سيتأكد في أبريل المقبل أثناء اجتماع مجلس الأمن الدولي حول قضية الصحراء.
لكن الزيارة الملكية لواشنطن لم تحقق فقط النجاح المذكور، وإنما توجت باتفاق البلدين على الانتقال بعلاقاتهما الثنائية من الشراكة التاريخية العريقة المعروفة إلى شراكة معززة بمنظومة مؤسساتية، ذلك أنه فضلا عن الحوار الاستراتيجي القائم بين البلدين، واتفاق التبادل الحر، فقد تقرر، في ختام الزيارة الملكية الحالية، تعيين شخصية رسمية من مستوى رفيع، من كلا البلدين، للسهر على  التطبيق الأمثل للقرارات المتخذة.
ومن جهة ثانية، جاء البيان المشترك الصادر في أعقاب  المباحثات بين قائدي البلدين ليحدد معالم خارطة طريق لمستقبل العلاقات الثنائية، وليجسد  بداية مرحلة جديدة، يرى كثيرون أنها ستؤكد تجاوز ما قد يعتبر «فتورا» شاب هذه العلاقات على عهد الرئيس الديمقراطي باراك أوباما، وكان لافتا أيضا توقف هذا الأخير عند تميز النموذج الإصلاحي في المملكة، وإشادته بريادة جلالة الملك وعمله من أجل تعزيز الديمقراطية والتقدم الاقتصادي والتنمية البشرية في العشرية الأخيرة.
مباحثات جلالة الملك مع الرئيس الأمريكي، لم تكتف بالتركيز على القضايا الثنائية بين البلدين، وتطورات الوحدة الترابية للمملكة، ولكنها شملت أيضا قضايا الإرهاب ومحاربة التطرف، والأوضاع في إفريقيا والشرق الأوسط، وأهمية التعاون من أجل السلم والاستقرار والأمن والتنمية، وهنا كان واضحا وعي الإدارة الأمريكية الحالية بحاجتها إلى حليف تاريخي واستراتيجي مثل المغرب بالنظر إلى دوره ومصداقيته وجهوده على الصعيدين الإقليمي والدولي من أجل السلم والاستقرار والتنمية.
وللتذكير، فقد جاءت زيارة جلالة الملك لواشنطن، ضمن سياق إقليمي معروف، وأيضا في ظل تنامي القلق وسط بلدان الخليج مثلا جراء المفاوضات الأمريكية والدولية مع إيران، وأمام تفاقم المأساة في سوريا، وعدم تحقيق أي تقدم لافت في مسلسل السلام بالشرق الأوسط، وفي ظل التراجعات والمصاعب التي تحياها بلدان: مصر، تونس وليبيا، والمخاطر التي تهدد منطقة الساحل والصحراء…
وفي كل هذه القضايا يتفق كثير من المراقبين اليوم على الحاجة لتعزيز الدور الإقليمي والدولي لبلد مثل المغرب، بالنظر لموقعه السياسي والاستراتيجي والتاريخي، ولدفاعه الدائم عن قيم الحرية والسلم والانفتاح والديمقراطية والتعاون والحوار بين الشعوب.
من دون شك  ستساهم زيارة جلالة الملك لواشنطن إذن في التأسيس لمرحلة جديدة، وإن كان شقها الثنائي سيتأكد في المنحى الذي ستأخذه العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين، وأيضا من خلال تطور الموقف الأمريكي من قضية الوحدة الترابية لبلادنا، خصوصا داخل مجلس الأمن الدولي، فإن الشق الدولي والإقليمي ستبرز معالمه في أداء الديبلوماسية المغربية خلال المرحلة المقبلة، وأساسا في العلاقة مع أوضاع منطقة الساحل والصحراء، وعلى صعيد  الشرق الأوسط، وفي العلاقات مع بلدان الخليج، وهي كذلك لا تخلو من تحديات يجب على جهازنا الديبلوماسي الوطني الاستعداد لها ولكسب رهانها بما يخدم مصالح بلادنا وشعبنا أولا.

[email protected]

Top