تردي مستوى العيش يرغم 77 ألف أسرة مغربية على تشغيل أطفالها بدل إرسالهم للمدرسة

رغم تعنت الحكومة وعجرفتها ورفضها الصلاحيات التي يخولها الدستور للبرلمان وللأحزاب السياسية المتمثلة في حرية النقد البناء والمعارضة الواعية والراقية، لا تلبث عورتها أن تنكشف بين الحين والآخر من خلال أرقام صادمة تنشرها مؤسسات وطنية بناء على أبحاث ميدانية موضوعية.

تذكير الحكومة بفشل تدبيرها يأتي هذه المرة من المندوبية السامية للتخطيط التي كشفت أن المغاربة باتوا فعلا يئنون تحت وطأة الفقر والتهميش ويمضون نحو وضع ينذر بالأسوأ.

ففي مذكرة إخبارية بمناسبة اليوم العالمي لمحاربة تشغيل الأطفال، أفادت المندوبية بأن 77 ألف أسرة مغربية تنتزع أطفالها من طاولة العلم والتحصيل لترمي بهم في سوق شغل غير منظم، يحتوي كل المخاطر، دافعها في ذلك كسب دريهمات قليلة لسد الرمق.

 وأوضحت المندوبية أن هذه الأسر تتمركز أساسا بالوسط القروي (55 ألف أسرة مقابل 22 ألف أسرة بالمدن) وحوالي 8.5 في المائة منها مسيرة من طرف نساء.
كما أشارت إلى أن هذه الظاهرة تهم بالخصوص الأسر الكبيرة الحجم، حيث تبلغ نسبة الأسر التي تضم على الأقل طفلا مشتغلا 0.4 في المائة بالنسبة للأسر المكونة من ثلاثة أفراد، وترتفع تدريجيا مع حجم الأسرة لتصل إلى 2.5 في المائة لدى الأسر المكونة من ستة أفراد أو أكثر.
وهكذا، تبلغ نسبة الأسر التي تضم على الأقل طفلا مشتغلا 1.2 في المائة بين الأسر المسيرة من طرف شخص بدون مستوى دراسي، في حين تبقى شبه منعدمة لدى الأسر المسيرة من طرف شخص له مستوى دراسي عال.
كما أن 41.5 في المائة من الأطفال المشتغلين ينحدرون من أسر مسيرة من طرف مستغلين فلاحيين، 24 في المائة من طرف عمال أو عمال يدويين، 20,8 في المائة من طرف مستخدمين، تجار، مسيري التجهيزات أو حرفيين، و13,6 في المائة من طرف غير النشطين. وتبقى هذه الظاهرة شبه منعدمة في صفوف الأسر المسيرة من طرف الأطر العليا.
أرقام المندوبية السامية للتخطيط الصادرة بمناسبة  اليوم العالمي لمكافحة تشغيل الأطفال، الذي يحتفى به في الـ12 من يونيو من كل عام، تعتبر فرصة لتعزيز الوعي وحشد الجهود ضد هذه الممارسة المقيتة التي تعيق النمو الذهني والجسدي و الاجتماعي لملايين الأطفال المغاربة، لكنها تشكل بالتأكيد “دوشا باردا” لحكومة  ترفض أن الإقرار بأن سياساتها ماضية نحو مزيد من تأزيم أوضاع فئات واسعة من المواطنين الذين أرهقهم غلاء المواد الأساسية والطاقية، دون أن يلمسوا في تدابير الحكومة لا ناتجا محليا يتقدم ولا دخلا فرديا يتطور ولا تنمية ترتفع، بل فقط أجورا مجمدة، وأسعارا تسارع الخطى نحو الأعلى.

أرقام مندوبية التخطيط وما سبقها من إحصائيات مؤسسات وطنية تنغص بالتأكيد “مزاج الحكومة” الغارقة في سياسات وخيارات فاشلة لا زالت متواصلة ضاربة بكرامة المواطن، وتاركة إياه عرضة للمحتكرين كما يجري اليوم في سوق الأضاحي الذي استفادت منه فئة “مقربة” اعتادت الريع والدعم العمومي وطبعا التهرب الضريبي.

فهلا استفاقت الحكومة التي يبدو أنها ألفت “العربدة السياسية” لإسكات الأصوات المعقولة ولو كلفها ذلك فضيحة اللجوء لخرق أحكام الدستور.

مصطفى السالكي

Top