حكايات عديدة نسجت في كل مراحل التاريخ عن طبيعة المرأة الفيزيولوجية والبيولوجية واعتبار هذه «الطبيعة» محددا لتدني مكانتها في المجتمع قياسا بموقع الرجل فيه. وقد كان حيفا كبيرا في العديد من مراحل التاريخ البشري أن يُزج بالمرأة، فقط لأنها امرأة، في الدرك الأسفل من المجتمع. لقد كانت المرأة وما تزال ضحية الذهنية الذكورية التي تجعل منها كائنا لا يستقيم إلا بتبعيتها للرجل وموالاتها له، ولهذا، فالأدوار الأساسية والمناصب ذات الحساسية في أي مجتمع كانت وما تزال تسند، في عمومها، إلى الرجل ولا يُلتفت إلى المرأة حتى ولو كانت كفاءتها وأهليتها العلمية تؤهلها لتحمل المسؤولية والوصول إلى مراكز القرار السياسي إسوة بالرجل. من قلب هذه المعاناة التاريخية للمرأة، جراء إقصائها الظالم، يظهر بين الحين والآخر الاستثناء الذي معه تتبوأ المرأة مناصب عليا قد تكون بالغة الحساسية في بعض الأحيان، كما تبرهن على ندّيتها للرجل، وتدحض بذلك كل «الحجج» أو الادعاءات التي تتدرع بها عقلية الذكورة من أجل تثبيت دونيتها. وإنصافا للمرأة من ظلم التاريخ، نورد في ما يلي نماذج من هؤلاء اللواتي كسرن ادعاءات الرجل بشأنهن، بوصولهن لمناصب النخبة والقرارات السياسية في بلدانهن.
مارغريت تاتشر المرأة التي استطاعت ليس فقط تغيير وضعها كامرأة ولكن العالم أيضا
مارغريت تاتشر هي أول امرأة بريطانية تتسلم منصب رئاسة الوزراء في البلد ومدة حكمها كانت الأطول أيضا. ولدت مارجريت هيلدا روبرتس في مدينة غرانثام في لينكولنشاير شرق انجلترا. وكان والدتها اثيل من عائلة بياتريتشي بلينكولن شاير. أما والدها ألفريد روبرتس كان بقالا. وقد عاشت طفولتها في دكان والدها المقام في منزلهم. وقد التحقت بجامعة أكسفورد في عام 1943 وفي عام 1947 تم تتويج تخرجها من قسم الكيمياء بمرتبة الشرف واحتلالها مركز الثانية على الدفعة. وقد تأثرت بحديث فريدريش فون هايك -الذي درس لها في الجامعة -عن أن الأنظمة الاستبدادية تؤدى إلى اضطراب الاقتصاد في الدولة. وبعد تخرجها من الجامعة عملت في القطاع الكيميائي، انضمت بعدها إلى جمعية المحافظين المحلية، ومثلت هذه الجمعية في مؤتمر حزب المحافظين في لندن. لمزيد من التفاصيل نقدم هذا التقرير الذي يبرز أهم محطات هذه “السيدة الحديدية” في الساحة السياسية البريطانية: ولدت مارغريت تاتشر في شهر أكتوبر من عام 1925. وانتخبت رئيسة لجمعية المحافظين بجامعة أكسفورد في عام 1946. وفي عام 1951، تزوجت مارغريت روبرتس من دنيس تاتشر ومن ثم غيرت اسم عائلتها إلى تاتشر لكي تعرف لاحقاً باسم مارغريت تاتشر. وفي عام 1959، انتخبت مارغريت تاتشر التي كانت تبلغ من العمر 34 عاماً حينها، كأول امرأة تتولى منصب عضو في البرلمان البريطاني، وذلك شكل نقطة الانطلاق في حياتها السياسية.
*المرأة الحديدية التي عارضت الاتحاد السوفياتي
من بين أعوام 1959 و1974، عملت السيدة تاتشر مرارا في مجلس وزراء المحافظين وحكومة الظل. وفي عام 1955، انتخبت السيدة تاتشر رئيسة لحزب المحافظين وزعيمة للمعارضة بعد هزيمة الخصم. ومن ثم أصبحت رئيسة للوزراء بعد أن هَزم حزبها، حزب العمال في الانتخابات العامة التي جرت عام 1979، لتبدأ حكمها للبلاد والذي استمر لمدة 11 سنة.
ومن أجل إعادة إنعاش الاقتصاد البريطاني، قامت السيدة تاتشر بإصلاحات واسعة بعد توليها للسلطة. وبدءا من الفترة الثانية لحكمها، شهد الاقتصاد البريطاني نموا متواصلاً، لكن السياسة الاقتصادية المتطرفة أدت إلى ارتفاع معدل البطالة واتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء والمشاكل الأخرى.
وفيما يتعلق بالسياسة الخارجية، سعت السيدة تاتشر إلى الحفاظ على “العلاقة الخاصة” البريطانية الأمريكية من خلال دعمها لموقف الولايات المتحدة المتشدد ضد الاتحاد السوفياتي السابق. هذا ويذكر أنه وقبل انتخابها رئيسة للوزراء، اشتهرت تاتشر بلقب المرأة الحديدية بسبب معارضتها الشديدة للاتحاد السوفياتي السابق. وفي الثاني من أبريل عام 1982، أرسلت الأرجنتين قواتها لاحتلال الأرض المتنازع عليها – جزر مالفيناس، والتي تسمى بجزر فوكلاند في بريطانيا، وفي وجه هذا التحدي، وبعد عدة أيام، قررت تاتشر إرسال قواتها لاستعادة هذه الجزر ونجحت في ذلك بعد شهرين من المواجهة العسكرية.
قامت السيدة تاتشر بزيارتين للصين، الأولى كانت في سبتمبر من عام 1982، حيث أجرت مع الزعيم الصيني دنغ شياو بينغ مناقشة بشأن مستقبل هونج كونج. وعلى أساس هذه الزيارة، قامت السيدة تاتشر بزيارة ثانية للصين في ديسمبرعام 1984، حيث وقعت “الإعلان المشترك الصيني البريطاني” للالتزام بتسليم سيادة هونج كونج إلى الصين في الأول من يوليو عام 1997. أما على صعيد القارة الأوروبية، فقد دعمت السيدة تاتشر انضمام المملكة المتحدة إلى الاتحاد الأوروبي من أجل استخلاص الفوائد من التجارة الحرة، لكنها عارضت بشدة التكامل السياسي والنقدي في أوروبا، الأمر الذي أدى لانقسامات داخل حزب المحافظين، لذلك اضطرت تاتشر إلى الاستقالة من منصبها في نوفمبر عام 1990.
وقد منحت تاتشر لقب البارونة في عام 1992 لتصبح عضوا بمجلس اللوردات. عانت السيدة تاتشر في الفترة الأخيرة من حياتها من مشاكل صحية وكانت حالتها الصحية قد تدهورت أكثر بعد وفاة زوجها دنيس تاتشر. وقد توفيت عن سن يناهز 87بعد أن عاشت مرحلة من الخرف الذهني لتغادر هذه السيدة العالم بجسدها لكنها تترك خلفها نموذج المرأة التي تستطيع ليس فقط تغير وضعها كامرأة لكن تستطيع أن تغير معها العالم.
إعداد: سعيد أيت اومزيد