ارتياح زائد وتعال غير مقبول

تتميز الحكومة الحالية بنواقص عديدة، فبالإضافة إلى فقدانها للنفس السياسي والحزبي عمليا، تتسم بالارتياح الزائد والتعالي غير مقبول على جميع مكونات المشهد السياسي والوطني بوجه عام.
فقد عبر رئيس الحكومة في البرلمان عن ارتياح كامل لما قامت به حكومته بل اعتبر أن برنامج الحكومة تم تنفيذه!!
ماذا ستفعل الحكومة إذن خلال المدة المتبقية من ولايتها؟ تسيير الأعمال الجارية؟
هذا يحدث لأول مرة في تاريخ الحكومات في المغرب وربما في العالم (باستثناء حكومات الأنظمة الشمولية والدكتاتورية)، كل حكومة تدافع عن منجزاتها، وهذا أمر طبيعي ومفهوم، لكن ليست هناك حكومة ترتاح بالمطلق لما أنجزته بل تطمح إلى الأفضل وإلى المزيد وإلى تجاوز النقائص، المحتملة دوما في العمل السياسي وفي السياسات العمومية، وتصرح بذلك أمام الشعب لتبقي الأمل قائما، خاصة إذا كان الشعب لا يلمس تأثيرا واضحا ووقعا لهذه المنجزات، كما هو الحال عندنا. الارتياح الزائد وادعاء الكمال لا يحفز على الإبداع والاجتهاد المستمر لتجويد السياسات العمومية وتجاوز ما يكتنفها من نواقص واختلالات وتجويد الأداء الحكومي بوجه عام.
تقييم السياسات العمومية والحكم عليها وعلى نجاعتها يختلف جذريا عن تقييم حصيلة شركة أو مقاولة.
حسابات الشركة أو المقاولة تكون واضحة ودقيقة: مداخيل ومصاريف وأرباح، وعندما تحقق الشركة أرباحا محترمة يحق لصاحب أو أصحاب الشركة التعبير عن الارتياح الكامل، الأرقام تكون ناطقة. أما تقييم السياسات العمومية فإن الأرقام تكون صحيحة في المجرد وقد تكون خادعة، المهم في تقييم السياسات العمومية هو الوقع والتأثير الفعلي والواضح على حياة المواطنين، هذا هو المعيار الأساس وليس الأرقام والإحصائيات المجردة. فقد تتضمن الميزانية العامة أرقاما هامة ومحترمة في مجال الاستثمار مثلا لكن ذلك لا يكفي إطلاقا للتعبير عن ارتياح كامل، فهناك نسبة الإنجاز الفعلي وليس المقرر والمفترض، وهناك التوزيع القطاعي والمجالي لمخصصات الاستثمار، وهناك نوعية الاستثمارات ومدى تأثيرها على الحركة الاقتصادية وعلى التنمية وعلى البطالة وعلى حياة الناس فعليا، ومدى إحساس المواطنين بوجودها أصلا وعلى تأثيرها في حياتهم اليومية. التقييم إذن أعقد بكثير من مجرد أرقام ومقارنة النسب والمبالغ المالية.
لذلك أستغرب الكثيرون من فاعلين ومتتبعين للحياة السياسية الوطنية لذلك الارتياح الزائد الذي عبر عنه السيد رئيس الحكومة.
السمة الثانية التي اعتبرها مذمومة هي سمة التعالي عن الجميع، عن الأحزاب السياسية (المعارضة بالخصوص)، عن البرلمانيين (رأيكم لا يهمني، في تحد صارخ للجميع وحتى للدستور ولأبسط قواعد العمل السياسي) عن النقابات (عدم احترام الاتفاقيات الموقعة معها والتنصل من الالتزامات..) تعالي عن المجتمع والشعب بعدم الإنصات إليه وأخذه بعين الاعتبار… تعال عن الكل والاعتقاد الوهمي بوجود “الثقة”، وكأن الثقة شيك على بياض صالح للأمس واليوم والغد!
التعالي لا يمارسه فقط رئيس الحكومة، بل كذلك بعض وزرائه، وبعض برلمانييه في موقع المسؤولية، ورؤساء جهات وجماعات…
لم يسبق أن عرف المغرب ممارسة من هذا القبيل، كان هناك دوما إنصات للآخر المختلف أو المعارض أو المقترح، إنصات معلن أحيانا وغير معلن أحيانا أخرى، لكن المحترم دوما بدون تعالي أو غرور.
مهلا أيها السيدات والسادة فقد “سقطت قلاع قبل هذا اليوم” كما قال محمود درويش!
التاريخ السياسي للمغرب الحديث عرف صعود أحزاب أو ما يندرج تحت هذا الاسم ولو تجاوزا، مدعومة بوضوح كامل من طرف السلطة، هيمنت عدديا وظرفيا ثم… سقطت وبعضها لم يعد له وجود ِ.. هي ظرفية سياسية أدت إلى ما أدت إليه وقد تأتي ظرفية أخرى تعصف بكل هذا التعالي والغرور المبني على أوهام العدد و.. الثقة. في السياسة كل شيء ممكن في أي وقت وبدون مقدمات، خاصة في المغرب.
من المفيد قراءة الماضي السياسي القريب واستخلاص الدروس، بل هذه القراءة ضرورية، خاصة لمن لا يعرف أبجديات العمل السياسي ولم تتح له فرصة لهذه المعرفة نظريا وممارسة.
المغرب يستحق أفضل من هذا.. بكل تأكيد.

< بقلم: عبد الصادقي بومدين

Top