قانون حقوق المؤلف خضع لمنطق “التعنت” والمصادقة عليه بدون تعديلات ستزيد من تعميق الأزمة وتفويت “فرصة تاريخية” للإصلاح

مسعود بوحسين لبيان اليوم: قال إن القانون مليء بالهفوات واتهم الوزير بالتضليل وترويج المغالطات

في حوار قصير مع جريدة بيان اليوم، عبر مسعود بوحسين رئيس النقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية عن أسفه إزاء مصادقة البرلمان بمجلسيه على القانون 25.19 المتعلق بالمكتب المغربي لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة.

وعدد نقيب الفنانين الدراميين المغاربة مجموعة من الهفوات التي جاءت ضمن القانون والتي قال إنها تكرس نفس الوضع الذي كان يكرسه القانون القديم إن لم يكن أكثر سوء من حيث التدبير، خصوصا وأنه جاء لتأكيد هيمنة وزارة الثقافة وسيطرتها على المجلس الإداري للمكتب ومخالفتها للقوانين وما يتعلق بتأسيس الجمعيات.

كما توقف مسعود بوحسين عند عدد من المغالطات التي قال إن الوزير الوصي على القطاع قام بترويجها فيما يتعلق بالنقابات المهنية وما يتعلق بتضارب المصالح وكذا خلطه بين النقابات والجمعيات.

ووصف بوحسين ما وقع بأنه “تعنت” صريح من قبل الوزارة ورغبة منها من أجل إخراج القانون كما دخل البرلمان أول مرة بدون أي تعديلات بتحسينه وتجويده، مشيرا إلى أن هذا التعنت لا يصب في مصلحة أحد بقدر ما يضيع على البلاد زمن الإصلاح والتدبير الأنجع للقطاع.

صادق البرلمان بمجلسيه مؤخرا على القانون 25.19 المتعلق بالمكتب المغربي لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة، كيف تلقيتم في النقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية هذا القرار؟

أول ما يمكن أن أقوله هو أن هذا الأمر غريب، لأنه كانت هناك نقاشات وتنبيه إلى الهفوات المدرجة ضمن مشروع القانون، كما كانت هناك العديد من المقترحات (المقترحات التي تقدمنا به والمقترحات التي تقدمت بها الفرق البرلمانية)، والتي لم يتم اعتمادها أو أخذ بعضها بعين الاعتبار، اللهم بعض التعديلات التي تبقى تعديلات بسيطة وغير مؤثرة.

وبنظرنا فإن هذا القانون هو نتيجة للتعنت وسياسة كسر العظام التي تعامل بها الوزير الوصي على القطاع مع هذا الموضوع بعيدا عن أي حس سياسي سليم يضع مصلحة الثقافة فوق كل اعتبار، حيث كان شغله الشاغل هو أن يخرج هذا القانون كما هو فقط، كأنه أخذ الأمر تحديا فقط، في حين كان موقفنا واضحا وهو جعل محطة الإصلاح محطة تاريخية للتجويد عوض إهدار الزمن التشريعي وتضييع هذه الفرصة، التي أقول إنها كانت فرصة تاريخية لتقوية القطاع وللقيام بالإصلاح اللازم، لكن مع الأسف، وكما قلت الأمر خضع لتعنت غير مقبول وعوض أن نلتف جميعا من أجل تجاوز هفوات وضع قانوني قديم ملتبس، أخرجنا قانونا جديدا أشد التباسا.

والمصادقة على هذا القانون كما دخل إلى البرلمان أول مرة بدون الأخذ بعين الاعتبار التعديلات المطروحة يدل على أن الرغبة في الإشراك غير موجودة وأن هناك فعلا تعنتا في الموضوع، إذ لم يتم قبول أي تعديل من التعديلات المهمة التي كانت تروم تجويد القانون، والأكثر من ذلك أنه كما دخل إلى الغرفة الثانية لدى المستشارين خرج، أي بدون أي تعديل، وهذا أمر كما قلت مؤسف جدا.

قبل المصادقة كانت لكم مجموعة من اللقاءات والنقاشات، وقدمتم مجموعة من التعديلات، والتي لم تؤخذ بعين الاعتبار، كيف ترون ذلك وما هي أبرز الاختلالات التي تسجلونها في هذا الصدد؟

** بعد الاطلاع على التقرير الذي طرحته لجنة الثقافة والتواصل والتعليم بمجلس النواب حول خلاصات الاجتماعات والنقاشات التي تمت بها حول هذا القانون، أعبر بكل صدق عن استغرابي الشديد من الردود الغريبة للسيد الوزير التي قدمها للنواب باللجنة المذكورة.

فبعد اطلاعنا على التقرير توقفنا مشدوهين أمام تصريحات الوزير والتي هي في الحقيقة تظهر أن الوزير لديه خلط كبير وعدم فهم لمجموعة من الأمور، وعلى سبيل المثال فالوزير تحدث أمام اللجنة عن وجود تعددية جمعوية مفرطة، والحال مع الأسف أن السيد الوزير خلط بين النقابات الفنية وجمعيات تدبير حقوق المؤلف التي ينص عليها القانون بشكل ملتبس أيضا والتي يصفها بالمهنية.. فكيف سنفهم كلمة المهنية هذه؟ ولم يميز بين الفرق بينهما وبين جمعيات التدبير الجماعي، في الوقت الذي لم تطالب به النقابات لا بالعضوية في المكتب ولم تنازع جمعيات ذوي الحقوق المرتقبة في مهامها، بل اقترحت اقتراعا داخليا، علما أن تأسيس جمعيات يكون في وضع متقدم هو وضعية التحرير الكلي ونحن في مرحلة أولية وحتى في هذه الحالة يحتاج القانون إلى دراسة معمقة لتطوير ما يتعلق بمساطر إنشاء هذه الجمعيات دون المساس بمبادئ حقوقية تتعلق بالحريات العامة، إذ قدم الوزير أمام اللجنة تبريرات خاطئة ويتحدث بطريقة لا علاقة لها بالإلمام بما هو كائن في القطاع، بما في ذلك حديثه عن تأسيس جمعيات ذوي الحقوق والتي لها وضع خاص وطريقة تأسيس خاصة، وقدم تصورات من شأنها أن تخلق تعارضا واضحا مع قانون الحريات العامة وتأسيس الجمعيات.

من جملة المفارقات أيضا، حديثه داخل اللجنة عن قطع الطريق أمام تضارب المصالح، وهذا تضليل للرأي العام وتمويه، إذ يريد الوزير إعطاء الانطباع بأن من كان يسير المكتب سابقا هم النقابات الفنية، والحال أن من كان يسير المكتب هو الوزارة نفسها، ما يعني أن أي اختلال أو سوء تدبير في تلك المرحلة يتعلق بالوزارة ذاتها هي وليس بالمهنيين ولا بالنقابات التي كان همها الوحيد ليس العضوية في المجلس الإداري وإنما هو إخراج قانون بجودة عالية.

من المغالطات أيضا، حديث السيد الوزير عن وجود تعددية نقابية مفرطة، وهذا التصريح إن دل على شيء فإنما يدل على أن السيد الوزير لا يعي الآليات التي تمكنه من الاشتغال وهي لجنة موجودة تحت وصايته، هي لجنة الاعتماد التي تؤطر تحديد النقابات الأكثر تمثيلية في قانون الفنان، والتي حتى في التفاوض الجماعي يمكن أن يطلب منها بناء على ما تتوفر عليه وعلى مهامها بتحديد النقابات الأكثر تمثيلية، لكن مع الأسف يتضح أن السيد الوزير يقدم مغالطات جمة وفهما خاطئا لمجموعة من الأمور وخلطا صريحا بين أدوار الجمعيات عموما وجمعيات التدبير الجماعي المرتقبة وأدوار النقابات وغير ذلك من المغالطات التي نعبر عن استغرابنا إزاءها.

وبحديثه عن تضارب المصالح، فإن هذا الأمر قائم بجميع الأحوال لدى مجموعة من الفئات، وبالتالي ما اقترحناه وما يقوله المنطق فإن تضارب المصالح هذا لا يحل بالنية الحسنة وبنزاهة الأشخاص الذين سيعينون، كما قال الوزير أمام اللجنة، وإنما تضارب المصالح يعالج بالإجراءات القانونية الملائمة وداخل هياكل المكتب، بشكل شفاف، لأنه مع الأسف مجددا هناك خلط كبير بين حقوق المبدع الناتجة عن الاستغلال في حقوق المؤلف والحقوق المجاورة وحقوق المبدع الناتجة عن الإنجاز في العمل الفني والتي يؤطرها قانون الفنان والمهن الفنية، وهذا أمر يحتاج كما قلنا إلى نصوص قانونية صريحة تنظم تنازع المصالح وتدبره وتحجمه وليس بالنية الحسنة.

بعد المصادقة على القانون ما هي أولوياتكم خلال هذه المرحلة، وما هي الأمور التي ستشتغلون عليها داخل النقابة وداخل تنسيقية النقابات الفنية لمواجهة هذا الوضع؟

لا يمكننا القيام بشيء سوى بتخفيف حدة الآثار الكارثية التي ستبدأ في الظهور مباشرة خلال عملية تنزيل القانون، وذلك بدء بتأسيس جمعيات ذوي الحقوق وما وصفه الوزير بالتدبير الجماعي الذي لا يكون إلا في قطاع محرر وليس كما تم وضعه في القانون حيث ستكون هناك مع الأسف خروقات جمة بما في ذلك خروقات تمس مجال الحريات العامة.

وهنا للتوضيح فقط، فإننا نعتبر أن تأسيس جمعية مهنية واحدة لكل صنف من ذوي الحقوق خارج المكتب، يضطلع رؤساؤها بعضوية المجلس الإداري بعد منحها اعتمادا، دون سند دستوري وفي غياب أية مساطر أو مقتضيات انتقالية أو لجن إشراف، أمر غير واقعي ويعني ضمنيا استحواذ الوزارة الكلي على المجلس الإداري، ما لم تقم هي نفسها بتأسيس هذه “الجمعيات المهنية” على مقاسها، ناهيك عن وضعيتها الدستورية والقانونية الملتبسة وغير الواضحة لتنافيها مع الفصل 12 من الدستور وتناقضها مع المادة 2 من ظهير الحريات العامة، والتي من المفروض أن ينص “القانون” على إمكانية تأسيسها والاكتفاء لزوما بانتخابات داخلية من قبل ذوي الحقوق المسجلين بالمكتب، على أن تهتم حصرا بتدبير الحقوق وألا تكون لها أية مهام مهنية أو نقابية مما سيشكل قاعدة أساسية لتحرير القطاع عند نضج الظروف، وفي هذا الباب نبهنا الوزير إلى هذا الخرق في أكثر من مناسبة لكن مع الأسف لا مجيب.

إلى ذلك، هناك تتبع لما سيكون من خروقات أيضا على مستوى ذوي الحقوق، حيث أن ما يخيف هو أنه ما دامت الوزارة تحتكر المكتب وتشتغل بمنطق التعيينات فإن الأمر سيستمر بنفس المشاكل ربما بشكل أكبر وربما بشكل مختلف عن السابق، ومن هذه المشاكل هو التضارب الحقيقي في المصالح الذي قد يتم بين أطراف متعددة داخل المكتب، وهل الوزارة ستميل إلى تسييس بعض الملفات ومحاباة فئة على فئات أخرى.

هناك أيضا، ضرورة لمتابعة ما سيحدث على مستوى تدبير العديد من الملفات وهل الوزارة ستكون قادرة على حلها كما يجب خصوصا فيما يتعلق بالمنازعات القضائية، وهل ستقف إلى صف بعض الفئات الفنية وذوي الحقوق في مواجهة بعض اللوبيات التي لا تؤدي الواجبات وهناك مخاطر جمة في هذا الباب نبهنا لها سابقا، لكن كان ما كان.

مع الأسف كما قلت سابقا، القانون الذي جرت المصادقة عليها دخل منذ البداية ناقصا إلى البرلمان وحتى محاولات إصلاحه وإدخال التعديلات عليه من أجل تجاوز النواقص جرى تهميشها من قبل الوزارة المعنية، والتي بكل أسف أقول إنها ضيعت فرصة للتاريخ من أجل الإصلاح وأدخلتنا في متاهة من المشاكل ستؤثر حتى في الحكومات اللاحقة وستزيد من تعميق الأزمة وتفويت سنوات من عمر الإصلاح المنشود الذي نطمح إليه.

حاوره/ محمد توفيق أمزيان

تصوير: رضوان موسى

الوسوم
Top