بعد عقود من الجمود.. البرلمان يشرع في مناقشة قانون الإضراب

بعد تعثرات متكررة في نقاشه داخل البرلمان على مدى السنوات الفارطة، عاد قانون الإضراب من جديد لطاولة النقاش بمجلس النواب، بعدما طرحته الحكومة بشكل رسمي للمناقشة الخميس الماضي.
وعبرت المعارضة في اجتماع لجنة القطاعات الإنتاجية بمجلس النواب الخميس الماضي، عن تخوفها من استعجال الحكومة لطرح هذا القانون بدون تشاور مع مختلف الهيئات السياسية والنقابية، منبهة إلى إمكانية وجود شبهات تتعلق بمقايضة اجتماعية وربط مشروع قانون الإضراب مع ما تسميه الحكومة بدينامية الحوار الاجتماعي.
ودعت المعارضة الحكومة إلى التريث وإلى التشاور حول هذا القانون الهام، مشددة على ضرورة احترام روح الدستور وصون الحق في الإضراب للجميع باعتباره حقا نص عليه دستور 2011.
وانتقدت أطراف المعارضة منهجية الحكومة في طرح النقاش وكذا برمجة الاجتماع في وقت وجيز قبيل نهاية الدورة، متسائلة ما إن كان الأمر يأتي للنقاش بشكل فعلي أم لخوض النقاش فقط، فيما تسير الحكومة في الاتجاه الذي تريد.

رفض أي منطق حكومي يقوم على مقايضة المكتسبات الاجتماعية

في هذا السياق، وفي مداخلة باسم فريق التقدم والاشتراكية في المناقشة العامة لمشروع القانون التنظيمي رقم 97.15 بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب، عبرت زهرة المومن عن رفض فريق “الكتاب” لأي منطق حكومي يقوم على مقايضة المكتسبات الاجتماعية بتمرير نصوص تشريعية أو إصلاحات مفصلة على المقاس أو تضر بمصالح الشغيلة المغربية، وخاصة قانون الإضراب وإصلاح منظومة التقاعد.
وأكدت النائبة البرلمانية عن حزب التقدم والاشتراكية زهرة المومن على أن القطاع العمومي يجب أن يكون نموذجا وقاطرة وقدوة للقطاع الخصوصي في احترام الحقوق النقابية وللحق في الإضراب، وفي الوفاء بالالتزامات.
من حيث مضمون النص في توجهاته العامة، شددت المومن على أن المشروع الذي جاءت به الحكومة لا يستجيب لانتظارات النقابات ولا لتطلعات الشغيلة، ولا يرقى إلى مستلزمات التلاؤم مع روح ومقتضيات الدستور والالتزامات الدولية لبلادنا في مجال الشغل والحقوق الاقتصادية والاجتماعية، “أي ببساطة ليس القانون الذي نريده”، وفق تعبيرها.
وقالت المومن إنه يتعين معالجة النص الذي طرحته الحكومة مراجعة عميقة، انطلاقا من الاقتناع الجماعي بأن الإضراب حق، والمنع استثناء، والتأطير القانوني يجب أن يكون متوازنا، مع تنقية المشروع من كافة الصيغ السلبية واستبدالها بصيغ إيجابية.
وأضافت المومن أنه ينبغي تعزيز النص بمقتضيات قوية حول آليات ناجعة وملزمة للحوار والتفاوض وإبرام الاتفاقات الجماعية، كأساليب فضلى واستباقية لحل نزاعات الشغل الجماعية، وكحل لخفض حالات الاضطرار إلى خوض الإضرابات، داعية في هذا الصدد، إلى التخلي النهائي عن النظرة الضمنية إلى الإضراب على أساس أنه “مساس بالنظام العام”، وإحلال نظرة جديدة، حقوقية وديمقراطية،مسؤولة ومواطنة، تقوم على تقدير الدولة والقطاع الخصوصي لهذا الحق وإحاطته بالضمانات اللازمة لممارسته في أحسن الظروف.

“الشيطان يكمن في التفاصيل”

إلى ذلك، عبرت عضوة فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب عن الرفض القاطعة ما وصفته بـ “مـغالطة” ربط هذا نص مشروع قانون الإضراب بما تسميه الحكومة “دينامية الحوار الاجتماعي”.
في هذا الإطار لفتت المومن إلى أنه بالرغم من بعض المكتسبات الطفيفة في ميدان الحوار الاجتماعي، إلا أن هناك احتقانا اجتماعيا في عدة قطاعات، “وهناك استياء عارم للطبقة العاملة إزاء تدهور قدرتها المعيشية، وهناك تملص واضح للحكومة من الوفاء بعدد من التزاماتها كقطاع الصحة مثلا، كما أن هناك خروقات بالجملة لقوانين الشغل”، وفق تعبيرها، مردفة أن “مأسسة الحوار الاجتماعي ليست هي النجاح في تقديم الإعلانات والتصريحات الوردية المصحوبة بالصور الجميلة، بل هو عمل شاق في العمق ويتطلب نفسا طويلا”.
وعلقت المتحدثة على نص الحكومة بالقول إن “الشيطان يكمن في التفاصيل”، مؤكدة على أن الاتفاق حول المبادئ العامة للمشروع لن يكون كافيا. “بل علينا، إلى جانب المقاربة التشاورية الواجبة مع الفرقاء الاجتماعيين، أن نعطي الوقت الكافي، بعيدا عن التسرع، للمناقشة التفصيلية، مع منح آجال كافية للتعديلات”، تقول زهرة المومن.

الحكومة غير مستعجلة وتسعى إلى الإجماع

من جانبه، وفي تفاعله مع مداخلات الأغلبية والمعارضة، قال يونس سكوري وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والشغل والكفاءات، إن الحكومة لم تستعجل في طرح مشروع القانون، ولا تنوي الاستقواء بالأغلبية في تمرير هذا القانون.
وأضاف سكوري أن الإحالة ليس فيها استعجال، وأن الحكومة تنوي تحقيق للإجماع في هذا الموضوع، مشددا على أن العمل الذي يجري اليوم هو من أجل إيصال قانون الإضراب إلى بر الأمان.
وتابع المسؤول الحكومي أن طرح هذا المشروع يأتي بعد سلسلة من الاجتماعات التي عقدتها الحكومة مع الفرقاء الاجتماعيين، من أجل “تقريب وجهات النظر” التي، قال إنها ظلت إلى وقت قريب “متباعدة بشكل كبير”، قبل أن يتم الوصول بحسبه إلى توافقات على هذا المستوى.

< محمد توفيق أمزيان

Top