نبيل بنعبدالله: الراحل لم يكتف بالتنظير والكتابة والإنتاج الفكري بقدر ما اقتحم ساحة الفعل النضالي الميداني

لحظة إنسانية فارقة، تلك التي عاشها مناضلات ومناضلو حزب التقدم والاشتراكية ومعهم قامات وازنة من الطيف السياسي والحقوقي والقضائي، خلال الندوة التأبينية التي احتضنها مقر حزب التقدم والاشتراكية بالرباط، مساء الثلاثاء الماضي، وحملت عنوان فقيد الحزب والوطن “الأستاذ النقيب عبد العزيز بن زاكور .. مسار حقوقي مؤسساتي وسياسي حافل”..

لحظة اختلطت فيها المشاعر وتزاحمت أمام روح مناضل تقدمي وحقوقي بصم قيد حياته تاريخ المغرب الحديث، سواء في المجال الحقوقي أو السياسي.     

خلال هذه الندوة التأبينية، التي أدار أطوارها رشيد روكبان عضو الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ورئيس مؤسسة علي يعته والذي اعتبرها مناسبة لاستحضار مناقب الراحل الكبير الذي فقد فيه المغرب واحدا من رجالاته الكبار، المجبولين على حب الوطن والبدل في سبيل رفعته، أبرز هذا الأخير الخصال العديدة التي ميزت  الفقيد بن زاكور، وأهلته بكل جدارة واستحقاق لتقلد العديد من المناصب والمسؤوليات والمهام السامية سواء على المستوى المؤسساتي أو الحقوقي أو المهني، أو الحزبي والتي أبان فيها عن كفاءة وحنكة ورزانة واقتدار.  

وبما أن كل الديناميات المهنية والسياسية والحقوقية التي مر منها الفقيد، كانت في مرحلة التأسيس والبناء، فقد كان له فيها دور أساسي ومحوري في مواجهة تحديات وصعوبات تلك البدايات، فهو يعتبر بحق منارة سياسية وقانونية بنفحة حقوقية كبرى من المستوى الناذر والمتميز، فقد كان، قيد حياته، يتميز بكثير من الحكمة والمرونة والسلاسة، وفق ما ذكره، محمد نبيل بنعبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، الذي وصف الراحل عبد العزيز بن زاكور في كلمة له بالمناسبة بـ “القامة الوطنية البارزة” التي قال إنها تميزت بعطاءاتها المتعددة والمتنوعة، وبصمت تاريخ مغربنا الحديث بقيمتها المضافة في مجالات عدة من الفعل النضالي والعلمي والحقوقي على مستوى حقول مختلفة، مشيرا إلى أن ألم فقدان الراحل كان عميقا إلا أن عزاء رفاقه في الحزب وفي الحركة الحقوقية، يضيف نبيل بنعبد الله، هو أنهم لم يفقدوا القيم والمبادئ التي عاش وضحى وترافع من أجلها، الفقيد، بقوة وهدوء والتزام وتواضع ونكران للذات. 

الراحل عبد العزيز بن زاكور الذي كان عضوا بمجلس رئاسة حزب التقدم والاشتراكية إلى حين وفاته، يضيف الأمين العام محمد نبيل بنعبد الله، ازداد سنة 1943 التي كانت هي السنة التي رأى فيها النور الحزب الشيوعي المغربي، الذي التحق به الفقيد منذ ريعان شبابه، بداية من ستينيات القرن الماضي، واستمر في النضال في صفوف هذه المدرسة الوطنية التقدمية، تحت اسم التحرر والاشتراكية ثم بعدها التقدم والاشتراكية. 

ولفت الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، أن الفقيد بمساره النضالي الحافل جسد نموذجا راقيا للمناضل الملتزم، وللمثقف الكفء، وللإنسان الطيب الخلوق، وللحقوقي الباحث عن العدل والمدافع عن الحرية والديمقراطية، وهو ما جعله، يضيف بنعبد الله، يحظى بتقدير كبير من طرف حزبه بكافة أجياله في القيادة كما في القاعدة، ولكن أيضا من طرف كافة الفاعلين السياسيين والحقوقيين والمؤسساتيين، مؤكدا على أن  الراحل كان قيد حياته يشهد له بالتميز الاستثنائي وبالكفاءة العالية في فضاء مهنة المحاماة التي اعتنقها عن حب واقتناع واختيار، فتفوق فيها بشكلٍ رائع؛ وكان خير محام للجميع، ولاسيما للمستضعفين وللمعتقلين السياسيين على اختلاف مشاربهم وتوجهاتهم، في زمن الجمر والرصاص.

ويسجل التاريخ، يقول محمد نبيل بنعبد ، “أن الراحل عبد العزيز بن زاكور كان أحد الأعمدة الأساسية التي لم تكتف بالتنظير والكتابة والإنتاج الفكري، بقدر ما اقتحمت ساحة الفِعل النضالي الميداني، لا سيما من خلال إسهامه الوازن في تأسيس المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، التي شكلت واجهة نضالية بارزة في النضال الحقوقي ببلادنا”، مشيرا إلى دور محوري يعترف له به الجميع فيما يتعلق بالقراءة المتأنية لصفحات الماضي، متطلعا لمستقبل حقوقي أفضل أمام بلادنا. أن الفقيد كان يفضل دوما، الاشتغال في الظل وكان له

من جانبها، قالت أمينة بوعياش رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان “إن كل من عاشر الراحل بن زاكور، عن قرب، خبر رزانته وكفاءتة السياسية والقانونية والحقوقية الرفيعة”، مشيرة إلى أن لحظة التأبين التي تجمع اليوم هذا الطيف المتعدد وباختلاف مواقفه المتعددة، هو تعبير صريح وحقيقي عن غنى وتنوع مسار الفقيد النقيب عبد العزيز بن زاكور .

وأفادت أمينة بوعياش أن ببهو المجلس الوطني لحقوق الإنسان، يوجد ركن يطلق عليه العاملين بالمجلس بـ “الركن الحزين” لأنه يتضمن، حصريا، صور أعضاء هيئة الإنصاف والمصالحة الذين غادرونا، ومن ضمنهم صورة النقيب عبد العزيز بنزاكور كواحد من الأعضاء الفاعلين في هذه الهيئة التي تخلد الحركة الحقوقية المغربية الذكرى العشرين لإحداثها، في تخليد لذكرى المحطة والمسار.

وأضافت رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، أن هذا الركن الحزين هو أيضا جزء من الحقيقة، وهو أيضا ركن الذاكرة، وركن القدوة والإقتداء، وركن التقدير والاعتراف، بإسهامات بارزة لحقوقيين وأستاذة فاعلين في واحدة من المحطات البارزة في تاريخ المغرب الراهن، وإحدى الممارسات الفضلى إقليميا وقاريا ودوليا، من ضمنهم الراحل عبد العزيز بن زاكور.

بالإضافة إلى مساره السياسي في حزب التقدم والاشتراكية، تقول أمينة بوعياش “نقدر في هذا التأبين المسار الحقوقي والمؤسساتي للراحل بن زاكور الذي خطفته المنية أيام قليلة قبل إطلاق الاحتفال بعشرينية هيئة الإنصاف والمصالحة، في محطة كان الراحل في قلبها ومسار كان من المساهمين فيه، بعد أن كان من المساهمين في محطات سابقة، حيث كان عضو في هيئة التحكيم المستقلة لتعويض ضحايا الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي، وفي محطة ثالثة، عندما كان عضوا بالمؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان”، مشيرة إلى  أن رحيل عبد العزيز بن زاكور هو خسارة للمدافعين عن حقوق الإنسان بالمغرب، لكنه في الوقت ذاته، يمكن القول، “إن في غنى وتنوع مسار عبد العزيز بن زاكور قدوة للمدافعين الشباب ودين نحفظه ونصونه ضمن ذاكرتنا الحقوقية والمؤسساتية”.

من جانبه، تدخل عبد اللطيف وهبي وزير العدل الذي كانت تربطه بالفقيد عبد العزيز بن زاكور علاقة خاصة، باعتبار أنه كان أستاذه في المحاماة حين ولوجها وهو شاب متحمس، وكان ينظر للمحامي عبد العزيز بن زاكور كنموذج يقتدى به وكان يأمل أن يرافع مثله في الجلسات، مشيرا إلى أن الراحل، كان يتميز بكثير من التواضع، وكان يمتلك طاقة كبير في الحوار، وكان يعامله بنوع من الأبوية الأخلاقية والقانونية.

النقيب محمد الصديقي الذي عاشر الفقيد لسنوات، تذكر خلال هذه الندوة التأبينية، كيف كان الفقيد ملتزما بالدفاع عن المعتقلين السياسيين والمظلومين، وكان من أشهر المحاكمات التي ترافع فيها الفقيد عبد العزيز بن زاكور حسب النقيب الصديقي محاكمة مراكش الكبرى الذي همت أزيد من 100 مناضل سياسي ينتمون للاتحاد الوطني للقوات الشعبية، والتي انطلقت مرحلة التحقيق بها سنة 1969 فيما انطلقت المحاكمة سنة 1970 وتم النطق بالحكم سنة 1971 أي شهور قليلة قبل محاولة الانقلاب الفاشلة.

وأورد النقيب محمد الصديقي أن هذه المحاكمة الشهيرة، تنصب فيها أزيد من 40 محاميا، لكن فقط 20 منهم كانوا ملتزمين بالحضور اليومي ضمنهم الفقيد عبد العزيز بن زاكور الذي كان منزله مفتوحا أمام جميع المناضلين والمحامين، مضيفا أن الأحكام التي صدرت في هذه المحاكمة توزعت بين الحكم بالإعدام في حق خمسة مناضلين، والحكم على 17 آخرين بالمؤبد والسجن المخفف في حق الباقي فيما تمت تبرئة عدد قليل من المتهمين.

وأضاف النقيب محمد الصديقي، أن التزام الفقيد بالدفاع عن المعتقلين السياسيين، جعله يترافع إلى جانب العديد من زملائه المحامين، للدفاع عن المعتقلين السياسيين المنتمين لليسار الجديد خاصة محاكمة الدار البيضاء سنة 1971 حيث كان ضمن المعتقلين أنيس بلفريج وعبد اللطيف اللعبي والسرفاتي وإدريس بنزكري وعلال الأزهر وآخرين، وكان الهم الأساسي لعبد العزيز بن زاكور في مهنة المحاماة هو الدفاع عن ضحايا القمع والمظلومين.

بعد ذلك، تطرق النقيب محمد الصديق لمسار الراحل ضمن هيئة المحامين بالمغرب، سواء عندما أصبح رئيس الهيئة بالدار البيضاء، أو بعد ذلك عندما أصبح رئيس جمعية هيئة المحامين بالمغرب، وكان الفقيد يعمل، وفق النقيب الصديقي على تعزيز العلاقة مع الهيئة القضائية.

وتوقف الصديقي عند لحظة كانت فارقة في حياة الفقيد عبد العزيز بن زاكور، وهي تلك اللحظة التي قرر فيها بتوجيه من الأطباء، وبدعم من جلالة الملك الراحل الحسن الثاني، السفر إلى الخارج وتحديدا إلى فرنسا من أجل إجراء عملية زرع الكبد، وهي العملية التي كللت بالنجاح، لكنها تطلبت، مكوث الفقيد بالمستشفى لعدة شهور، يضيف الصديقي الذي تولى مهام نيابة الرئيس في تدبير شؤون جمعية هيئة المحامين بالمغرب.

وبعد فترة النقاهة، يضيف النقيب محمد الصديقي، استأنف الراحل العمل سنة 1990، وواصل المسار كمناضل حقوقي وسياسي وكمحامي وخبير قانوني، إلى أن أصبح عضوا في المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، ممثلا لحزب التقدم والاشتراكية سنة 1997، ثم بعدها عينه جلالة الملك محمد السادس سنة 1999 عضوا بهيئة التحكيم المستقلة لتعويض ضحايا الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي، والتي توصلت وفق المتحدث، بحوالي 6000 طلب من ضحايا الانتهاكات، واستمعت إلى أزيد من 8000 من الضحايا وعائلاتهم.

وأورد محمد الصديقي أن هذه الهيئة التي كان من ضمن أعضائها الراحل عبد العزيز بن زاكور قامت بعد عمل جبار بإصدار أزيد من 7000 مقرر، وقامت بتحديد المسؤوليات، حيث حملت المسؤولية في تلك الانتهاكات للدولة من خلال أجهزتها، وعلى ذلك الأساس قضت بالتعويض المادي لجميع الضحايا، بغلاف إجمالي بلغ 960 مليون درهم.

وعرج النقيب محمد الصديقي على مسار الراحل ضمن هيئة الإنصاف والمصالحة التي كان عليها استكمال عمل الهيئة المستقلة للتحكيم، مشيرا إلى مساهمته في صياغة التقرير النهائي لهيئة الإنصاف والمصالحة سنة 2004 كان همه هو إرساء دعائم عدالة انتقالية ووضع الأسس والآليات القانونية والمؤسساتية لضمان عدم تكرار ما جرى من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.

الندوة التابينية للنقيب الراحل عبد العزيز بنزاكور

من جانبه تعمق عبد السلام امبارك بودرقة، العضو بهيئة الإنصاف والمصالحة، وأحد المنفيين خلال ما عرف بسنوات الرصاص، (تعمق)  في تجربة الراحل في هيئة الإنصاف والمصالحة، مشيرا إلى أن الفقيد عبد العزيز بن زاكور كان ضمن جيل المحامين في نهاية خمسينيات وستينيات القرن الماضي الذي كان يتحمل دور الدفاع عن القانون وعن حقوق الإنسان، قبل إنشاء الجمعيات المهتمة بالدفاع عن حقوق الإنسان ، مشيرا إلى أن المحامين هم من ساهم في تأسيس أول جمعية للدفاع عن حقوق الإنسان، وهي العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان والتي أنشئت في محكمة الاستئناف بالرباط، وهم أيضا من أسس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، كما ساهموا في إنشاء المنظمة المغربية لحقوق الإنسان.

وأرود امبارك بودرقة أن الراحل ساهم، باسم جمعية هيئات المحامين بالمغرب سنة 1986 في تنظيم أول مناظرة وطنية حقوقية، حول “المقاربة القانونية بأبعاد حقوق الإنسان، لفكرة الديمقراطية” والتي احتضنتها مدينة وجدة.

لم يفت امبارك بودرقة، في سياق حديثه عن الراحل عبد العزيز بن زاكور التطرق إلى بداية العلاقة المباشرة بينهما والتي أرخ لها المتحدث، بيوم 10 دجنبر 2002 بالقصر الملكي بالرباط، عندما قام صاحب الجلالة الملك محمد السادس بتعين أعضاء جدد للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، في صيغته الثانية، طبقا لمبادئ باريس لسنة 1923، وفق إفادة المتحدث الذي قال أيضا إنه في تلك اللحظة كان الراحل بن زاكور يجلس إلى جانبه، لتتطور العلاقة بينهما فيما بعد، خلال اجتماعات المجلس الذي ساهم الفقيد، بشكل كبير في صياغة قانون الداخلي، كما كان يتكلف بصياغة التقرير النهائي الذي كان يرفع لصاحب الجلالة.

من جانبه، حكى القاضي الشرفي محمد سعيد بناني المدير العام السابق للمعهد العالي للقضاء، تفاصيل علاقته بالراحل عبد العزيز بن زاكور التي امتدت لأكثر من نصف قرن، حيث خبره كمحامي في بداية سبعينيات القرن الماضي بالمحكمة الاجتماعية بالدار البيضاء، عندما كان المتحدث قاضيا بالمحكمة ذاتها، مستحضرا كيف كانت مذكرات الراحل بن زكور دقيقة في مصطلحاتها وتحليلاتها، حيث كانت، يضيف القاضي سعيد بناني، تنطلق من فهم قانوني وقضائي عميق، أساسها العلم القانوني بأدق الجزئيات.

وأضاف محمد سعيد بناني، أنه اشتغل إلى جانب الراحل عبد العزيز بن زاكور في هيئة التحكيم المستقلة لتعويض ضحايا الاختفاء القسري والاعتقال الاحتياطي كبداية لعدالة انتقالية، والتي انطلقت، يضيف المتحدث، من توجيه ملكي سام في غشت 1999، وقد انكبت على دراسة أحداث أليمة، من 1956 إلى 1999 ، وامتد العمل لسنوات إلى حدود يناير 2004، كان فيها الراحل ملما بالكثير من الأحداث والمحاكمات السياسية، حيث أبانت نتائجه عن مجتمع حضاري متسامح، يرغب في طي صفحة الماضي الأليم.

ووصف القاضي والكاتب العام السابق للمعهد العالي للقضاء، حضور الراحل عبد العزيز بن زاكور بـ”البارز” عند تشييد صرح العدالة الانتقالية بالمغرب، بدءا من مساهماته في وضع مشروع نظام داخلي يؤطر عمل هيئة التحكيم ومداولاتها، حيث أبانت بصمات الراحل، يضيف المتحدث، عن حنكة تقاطع فيها فكره القانوني بالحقوقي والسياسي اقتناعا من الراحل بن زاكور، بأنها عدالة تروم ضمان مصلحة عامة لصالح الوطن، ملتصقة بجيل سياسة المصارحة، فكان يشير في عدة مناسبات بأنها عدالة نابعة عن عالم متشابك يستوجب التفكير بمنطق المفاهيم المتطورة.

وفي السياق ذاته، استشهد القاضي محمد سعيد بناني بإحدى مقالات الراحل بن زاكور عندما كتب بأن هيئة التحكيم ” هي الطريقة الأكثر ملاءمة … على أساس ضوابط أكثر ما يمكن أن تكون واسعة، وداخل آجال أكثر ما يمكن أن تكون وجيزة”، وهو ما كان ينم عن وعي الراحل، يضيف المتحدث، بأن منطق هذه العدالة ينتمي إلى طبيعة خاصة يقتضي الابتعاد عن اللغة القانونية المتداولة في المحاكم بمساطرها الصارمة، وكان بذلك داعما بقوة لإقحام المنطق الحقوقي في عناصر لا يمكن قبولها في المنطق القانوني، وكان مؤمنا أشد ما يكون الإيمان على الدوام بسمو مشروعية العدالة الانتقالية كإطار ثقافي كوني على شرعية عدالة المحاكم. 

وعرج القاضي الشرفي محمد سعيد بنانين في معرض مداخلته، على الهيئة العليا للحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة، سنة 2012 مستحضرا كيف كان الراحل بن زاكور يساهم بأفكار نيرة كعادته، وهو يتنقل في الندوات الجهوية التي عقدت في مختلف مدن المملكة، ليبرز براعته على مستوى استقلال القضاء، وآليات تخليق منظومة العدالة، وحمايتها للحريات والحقوق، والارتقاء بفعالية ونجاعة القضاء، وإنماء قدراته المؤسسية، وتعزيز حكامته.

وعندما أخذ الكلمة رشيد بن زاكور نجل الراحل خيمت مشاعر ممزوجة بالحزن على الفراق، وفي الوقت ذاته الاعتزاز بخلف صالح يقدر حجم المسؤولية وحجم الإرث الفكري والقيمي الذي تركه الراحل عبد العزيز بن زاكور.

تحدث رشيد بن زاكور عن تلك العلاقة الخاصة التي تجمع الأب بابنه، وتذكر كيف تعامل معه، وهو لم يتجاوز الثالثة عشرة من عمره، عندما كان الراحل يهم بالرحيل إلى الديار الفرنسية من أجل إجراء عملية زرع الكبد التي كانت عملية صعبة ومعقدة حينها في أواخر سنة 1988. ليتمكن فيما بعد، من استعادة عافيته، بعد سنة كاملة من النقاهة، لكن بإصراره على العمل من أجل الحرية والعدالة وحقوق الإنسان، يضيف رشيد ين زاكور، تمكن الراحل من التغلب على مرضه واستعاد حيويته المعهودة، مكنته من العيش، بعد العملية، أكثر من 35 سنة. 

و خلال هذه الندوة التأبينية، تم عرض شريط فيديو قصير يلخص مسار الراحل الفقيد عبد العزيز بن زاكور منذ انخراطه في الحزب الشيوعي المغربي ثم حزب التحرر والاشتراكية فحزب التقدم والاشتراكية الذي تقلد به مسؤوليات قيادية سواء بالمكتب السياسي أو بمجلس الرئاسة، في مسار نضالي حافل بالعطاء كان فيه الفقيد مثالا يحتدى به في النضال الملتزم من أجل تحقيق الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية، وراهن نفسه للدفاع عن المعتقلين السياسيين خلال سنوات الرصاص،  ظل مدافعا عن القيم التي آمن بها حتى النخاع وظل متشبثا بها إلى أن وافته المنية . الشريط تضمن شهادات حية في حق الراحل عبد العزيز بن زاكور حيث تعاقب على الكلمة كل من المناضل التقدمي اسماعيل العلوي رئيس مجلس رئاسة حزب التقدم الاشتراكية الذي كشف عن أول لقاء جمعه بفقيد الحزب والوطن في ستينيات القرن الماضي وتحديدا سنة 1962، حين التحق اسماعيل العلوي بخلية الطلبة الشيوعيين التي كان يرأسها الفقيد عبد العزيز بن زاكور، كما تضمن الشريط شهادة الناشطة الحقوقية والسياسية نزهة الصقلي التي تجمعها ذكريات نضالية مع الفقيد سواء على المستوى الحقوقي أو على المستوى السياسي. ةكما تضمن الشريط شهادة صلاح الوديع وإدريس اليازمي اللذان اشتغل إلى جانب الفقيد على ملف العدالة الانتقالية ضمن هيئة الأنصاف والمصالحة، بالإضافة إلى شهادة النقيب والمناضل السياسي التقدمي عبد الطيف أعمو الذي تحدث عن سياقات ترأس الفقيد عبد العزيز بن زاكور للمؤتمر الوطني الخامس لحزب التقدم والاشتراكية، باقتدار كبير وبروح نضالية وتدبيرية عالية خاصة أن المؤتمر انعقد في سياق سياسي وفكري كانت فيه الأسئلة الكبرى تطرح حول جدوى الأيديولوجية، والفكر الاشتراكي خاصة بعد سقوط جدار برلين نهاية ثمانينيات القرن الماضي، وترجع الشيوعية في شرق أوروبا، مقابل تنامي الحماس الليبرالي وانتصار “الفكرة الغربية” إلى درجت أن فرانسيس فوكوياما كتب سنة 1989 “أن التاريخ قد انتهى” واعتبر نهاية الحرب البارد هي “نقطة النهاية للتطور الأيديولوجي للبشرية وتعميم الديمقراطية الليبرالية الغربية كشكل أخير لحكم البشرية”.  

محمد حجيوي

تصوير : رضوان موسى

Top