قانون حماية المستهلك: المستجدات والإكراهات

 في سياق تعزيز الإطار القانوني المتعلق بحماية المستهلك، أصدر المشرع قانون 31- 08 المتعلق بإحداث تدابير لحماية المستهلك، ويهدف من خلال هذا القانون إلى ما يلي:
إعادة التوازن بين المستهلك والمهني أو المورد كما سماه المشرع.
ضمان إعلام واضح للمستهلك بالمنتجات والسلع والخدمات التي يستعملها ويقتنيها.
ضمان حماية المستهلك من الشروط التعسفية والتي تتعلق بالخدمات والقروض الاستهلاكية والعقارية، والبيع عن بعد، والبيع خارج المحلات التجارية.
إشراك الحركة الجمعوية في حماية المستهلك.
    إلا أن الآليات التي وضعها المشرع  لتحقيق هذه الأهداف، تبقى محدودة.
 دخل المغرب منذ الثمانينات في مسلسل انفتاح اقتصاده على السوق العالمية مما فرض عليه تحيين منظومته التشريعية ذات الطبيعة الاقتصادية والتجارية، وذلك بحكم تطور نمط الاستهلاك، وظهور أشكال جديدة لتوزيع وتمويل السلع والخدمات كالبيع عن بعد، والبيع في محل الإقامة، وانتشار العقود النموذجية.
     أمام هذا المعطى، ظهر المستهلك كطرف ضعيف في علاقته بالمهني بحكم عدم كفاءته التقنية أو القانونية لمناقشة بنود العقد. كما أن القواعد العامة وما يترتب عنها من أن العقد شريعة المتعاقدين أصبحت قاصرة في توفير الحماية للطرف الضعيف، الشيء الذي أفرز ما يسمى بأزمة العقد (1). فكان من البدائل التي تم اعتمادها لحماية الطرف الضعيف في العقد أو المستهلك، هي تقنية التدخل التشريعي الآمر قصد تحقيق التوازن العقدي والعدالة المنشودة.
وقد ظهرت الإرهاصات الأولى لحماية المستهلك بتاريخ 15 مارس 1962، وذلك حين افتتح الرئيس الأمريكي الراحل جون كينيدي خطابه أمام الكونغرس بأن المستهلكين يشكلون المجموعة الاقتصادية الأكثر أهمية والأقل إنصاتا لها، فوعد بتأسيس تشريع يضمن لهم كافة حقوقهم (2).
 أما في الدول الأوروبية، فلم يظهر الاهتمام بحماية المستهلك إلا ابتداء من سنة 1970. وفي الدول الإفريقية لم يظهر الاهتمام بحماية المستهلك إلا في بداية التسعينات.
  أما على الصعيد الوطني، فلم يتم التنصيص على حماية المستهلك إلا مع صدور قانون 31- 08، وذلك بتاريخ 18 فبراير2011 (3) المقتبس من القانون الفرنسي.
 –  فما هي أهم المستجدات التي أتى بها قانون 31- 08؟
 –  وإلى أي حد استطاع المشرع المغربي أن يضع آليات كفيلة لإقرار الحماية اللازمة للمستهلك؟
     هذا ما سأعرض إليه وفق الشكل التالي:
المبحث الأول: أهم مستجدات قانون 31- 08.
المبحث الثاني: قصور قانون 31- 08 في إقرار الحماية الكافية للمستهلك.

المبحث الأول: أهم مستجدات قانون 31- 08   
 
  تتمثل أهم مستجدات القانون المذكور فيما يلي:
الحق في الإعلام.
الحق في التراجع.
الحق في حماية المستهلك من الشروط التعسفية.
تعزيز الضمان التعاقدي للعيوب الخفية في الشيء المبيع.
الحق في التمثيلية.

<  أولا: الحق في الإعلام
     الحق في الإعلام ورد في ديباجة القانون. وعليه، يجب على المهني (4) إخبار المستهلك قبل إبرام العقد بجميع المعلومات المتعلقة بخصائص المنتوج والخدمات، وإعلامه بالثمن وطريقة الاستعمال، وشروط الضمان، وتجديد العقد في حالة الالتزام لمدة معينة، وآجال الإرسال. وهذه المعلومات تخول للمستهلك صلاحية توقيع العقد من عدمه.

< ثانيا: الحق في التراجع
     لقد منح المشرع للمستهلك الحق في التراجع داخل آجال محددة وذلك في مجال البيع عن بعد، أو البيع خارج المحلات التجارية )في محل الإقامة(، وكذا في مجال القروض، والهدف من ذلك تمكين المستهلك خلال فترة التراجع من التروي والتشاور وتكوين فكرة عن الشروط التعاقدية واتخاذ قراره في الالتزام بدون تسرع.

< ثالثا: حماية المستهلك من الشروط التعسفية
     حماية المستهلك من الشروط التعسفية ورد النص عليها في المواد 15 إلى 20 من قانون 31 – 08. وقد اعتبر المشرع كل الشروط التعسفية التي يمكن أن تخلق عدم التوازن في العلاقة بين المهني والمستهلك، باطلة. مثلا: كأن يدرج المهني في العقد شرطا يعفيه من تحمل المسؤولية، أو أن ينفرد وحده بتعديل شروط العقد. وقد أورد المشرع في هذا الإطار لائحة من الشروط التعسفية على سبيل المثال.

< رابعا: تعزيز الضمان التعاقدي للعيوب الخفية في الشيء المبيع
     في هذا السياق، تم تمديد أجل دعوى العيوب الخفية، حيث أصبحت دعوى العيوب الخفية في العقار سنتين، عوض سنة واحدة كما هي محددة في قانون الالتزامات والعقود، وفي المنقولات سنة واحدة، عوض ستة أشهر المحددة في قانون الالتزامات والعقود.
     هذا وقد أكد المشرع عدم صحة أي شرط يقضي بعدم مسؤولية المهني عن الضمان.

< خامسا: الحق في التمثيلية  
     لقد منح المشرع لجمعيات حماية المستهلك الحق في الدفاع عن مصالحه وتمثيله أمام القضاء، لكنه اشترط أن تتمتع الجمعية بصفة المنفعة العامة )المواد من 152 إلى 155 من قانون حماية المستهلك(

المبحث الثاني: قصور قانون 31- 08 في إقرار الحماية اللازمة للمستهلك

 رغم أهمية المستجدات التي أتى بها قانون 31- 08، فإنها لا ترقى إلى مستوى تطلعات المستهلك، وهذا ما نستشفه من خلال مجموعة من المظاهر القانونية أهمها:
دور جمعيات حماية المستهلك.
نظرية استغلال الضعف والجهل لدى المستهلك.
الإمهال القضائي.
كثرة الإحالة على النصوص التنظيمية.
إغفال القانون لبعض العقود المرتبطة بالصحة.

<> أولا: دور جمعيات حماية المستهلك
     لقد أناط المشرع جمعيات حماية المستهلك بمهمة الدفاع عن حقوق المستهلك وتمثيله أمام القضاء، لكنه قيد تدخلها بحصولها على صفة المنفعة العامة، ومعلوم أن هذه الصفة ليست سهلة المنال، فالحصول على صفة المنفعة العامة يتطلب شروطا محددة بموجب النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بتأسيس الجمعيات.

<>  ثانيا: نظرية استغلال الضعف والجهل لدى المستهلك
     تناول المشرع هذه النظرية في المادة 59 من قانون حماية المستهلك التي جاء فيها: “يقع باطلا بقوة القانون كل التزام نشأ بفعل استغلال ضعف أو جهل المستهلك مع حفظ حقه في استرجاع المبالغ المؤداة من طرفه وتعويضه عن الأضرار اللاحقة”.
     لقد صاغ المشرع هذه النظرية في شكل مقتضب وفي فصل واحد وفريد، وكان من الأولى أن تصاغ  ضمن القسم المتعلق بالشروط التعسفية، وهذا دليل على تهميش هذه النظرية، بخلاف باقي التشريعات التي توسعت في هذه النظرية.   

<>  ثالثا: الإمهال القضائي
     الإمهال القضائي مهلة أو فرصة يمنحها القضاء لمن تعذر عليه تنفيذ التزاماته إما لأسباب اقتصادية أواجتماعية غير متوقعة، كالفصل عن العمل أو الوظيفة، أو غير ذلك. وهذه المهلة لا يجب أن تتجاوز السنتين المواليتين لآخر دفعة للقرض.
      فطبقا للمادة 149 من قانون 31- 08، يمكن لرئيس المحكمة المختصة أن يصدر أمرا بوقف تنفيذ التزامات المقترض. والملاحظ أن المشرع حصر هذه الاستفادة، في عقود القروض الاستهلاكية والعقارية فقط دون العقود الإذعانية الأخرى.
 
<>  رابعا: كثرة الإحالات على النصوص التنظيمية
     بالاطلاع على قانون 31- 08، يتبين أن المشرع أفرط في الإحالة على النصوص التنظيمية، وهذا من شأنه أن يعطل مفعول المقتضيات التشريعية، وأن يفرغ كل نص من مضمونه.

<>  خامسا: إغفال القانون لبعض العقود المرتبطة بالصحة
     إن اقتناء الأدوية والخدمات الطبية لم يشملها قانون حماية المستهلك، بخلاف التشريع الفرنسي الذي تبنى ضرورة حفظ سلامة المستهلك، وذلك من خلال الفقرة الأولى من الفصل 221 من مدونة الاستهلاك.

خاتمة
     إن الحماية الحقيقية للمستهلك رهينة بتوفير الميكانزمات التالية:
وضع إطار ملائم للولوج إلى العدالة، وذلك عبر إقرار المسطرة الشفوية، أو إعادة النظر في مسألة المساعدة القضائية بترك حرية اختيار المحامي عوض تعيينه.
إزالة الحواجز التي تعترض عمل جمعيات حماية المستهلك من خلال إلغاء شرط المنفعة العامة، والاستعاضة عنه بمعايير أخرى كالكفاءة والفعالية.
نشر ثقافة حماية المستهلك عبر الإعلام والمؤسسات التعليمية.
التعجيل بإخراج النصوص التنظيمية المحال عليها.  
هوامش:
‏( 1) – Mazeau Denis . La nouvelle crise du contrat . Dalloz 2003  p : 8
‏( 2)- Jean Galais Auloy. Droit de la consommation. Dalloz 4ème édition 1996 p:3                                  
3)   (- ظهير شريف رقم 03. 11. 1 صادر في 14 من ربيع الأول 1432 )18 فبراير1201( بتنفيذ القانون رقم 31- 08 المتعلق بتحديد تدابير لحماية المستهلك، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 5932 بتاريخ 3 جمادى الأولى 1432 (7 أبريل2011)  ص: 1072
) 4( – يلاحظ أن المشرع المغربي استعمل مصطلح “مورد” والتي تعني fournisseur، في حين أن المشرع الفرنسي استعمل مصطلح professionnel والتي تعني “مهني” فالترجمة تبدو غير دقيقة.
بقلم: فاطمة أبناو*
* باحثة في العلوم القانونية

Related posts

Top