النقاط على الحروف

وضع النقاط على الحروف، بما يعنيه ذلك من وضوح وحزم، هو العنوان الأكثر تجسيدا لمضمون الاتصال الهاتفي الذي أجراه جلالة الملك مع السيد بان كي مون، الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة. جلالة الملك جدد الالتزام الثابت والتعاون البناء للمملكة من أجل التوصل إلى حل سياسي نهائي لهذا النزاع الإقليمي، في إطار السيادة المغربية، ثم أثار انتباه الأمين العام الأممي إلى ضرورة الاحتفاظ بمعايير التفاوض كما تم تحديدها من طرف مجلس الأمن، والحفاظ على الإطار والآليات الحالية لانخراط منظمة الأمم المتحدة، وتجنب المقاربات المنحازة، والخيارات المحفوفة بالمخاطر، ونبه جلالته إلى أن أي ابتعاد عن هذا النهج سيكون بمثابة إجهاز على المسلسل الجاري ويتضمن مخاطر بالنسبة لمجمل انخراط الأمم المتحدة في هذا الملف.
من المؤكد أن المغرب يجد نفسه هذا العام في وضعية ديبلوماسية أفضل نسبيا مقارنة مثلا مع الفترة نفسها من العام الماضي، خصوصا بعد نجاحات ديبلوماسية تحققت على مستوى موقف واشنطن وغيرها، وقد تجلى هذا الاختلاف كذلك في تقرير بان كي مون الأسبوع الماضي، ولكن الطرف الآخر، مع ذلك يواصل مناوراته الدعائية في المحافل الدولية، وأساسا داخل الولايات المتحدة الأمريكية عشية تدارس مجلس الأمن الدولي للملف، كما أن خصوم الوحدة الترابية للمملكة يسعون لجر المنتظم الدولي نحو مقاربات وخيارات جديدة، ولحد الآن يتضح أنهم يتعرضون لفشل تلو الآخر، وقد جاء الرد الملكي اليوم قويا وحازما ليحذر  من هذه المقاربات المنحازة، والخيارات المحفوفة بالمخاطر، وليلفت نظر الأمم المتحدة إلى كون أي ابتعاد عن معايير التفاوض التي سبق أن حددها مجلس الأمن، سيكون بمثابة إجهاز على المسلسل الجاري، وأيضا على مجمل انخراط هيئة الأمم المتحدة في هذا الملف.
اليوم المغرب لا يعلن موقفه الواضح والحازم، فقط اعتبارا لعدالة مطالبه الوطنية ولمشروعية حقوقه، وإنما أيضا بالنظر للمخاطر المحيطة بالمنطقة ككل، ذلك أن تحدي عدم الاستقرار والإرهاب في الساحل والصحراء، والانتشار العشوائي للسلاح والجريمة والتوترات السياسية، ثم الأوضاع العامة في ليبيا والتعقيدات الداخلية في بلدان مغاربية أخرى، علاوة على الأوضاع في مخيمات تيندوف نفسها، وتواتر مؤشرات التورط في تنسيقات إجرامية وإرهابية، كل هذا يجعل الظرفية الإقليمية والإستراتيجية بالغة الحساسية والخطورة، ما يتطلب المسارعة إلى إيجاد حل نهائي للنزاع المفتعل في الصحراء المغربية، وذلك ضمن السيادة المغربية.
في السياق نفسه، فإن كل هذه التفاعلات المحيطة بالنزاع المفتعل تؤكد اليوم أن المقترح الجدي الوحيد المطروح على الطاولة هو المشروع المغربي المتعلق بالحكم الذاتي في إطار السيادة المغربية، وذلك مقابل إصرار الطرف الآخر على الجمود والانغلاق والتكلس، وهذه الوضعية تفرض اليوم على الأمم المتحدة أن تعرض الملف على الأطراف كما هو، أي أن تجعل الحوار ينصب أساسا على المقترح المغربي، الذي اعتبرته أوساط دولية كثيرة وعواصم عالمية عديدة واقعيا وجديا وذا مصداقية، وهذا سيقوي سير الأمم المتحدة نحو الحل السياسي المتوافق عليه، وفق معايير مجلس الأمن وروح التفاوض، وسيجعل وساطة الهيئة الأممية جدية وذات مصداقية.
[email protected]

Top