ارتبطت الجريمة عموما بالرجل، والدليل على ذلك، أن أغلب السجون مكتظة بهم، فيما ظلت نسبة النساء المجرمات ضئيلة جدا مقارنة مع الرجال. لكن الملاحظ، أنه في العقدين الأخيرين، بدأ الحديث عن الجريمة بصيغة المؤنث يعرف تصاعدا، وهذا مرده، إلى كون الجرائم التي كانت مقصورة على الرجال، أضحت مشتركة وبدأت تعرف تورط النساء بدورهم، حيث تزايدت جرائمهن في مجال السرقة وتهريب المخدرات والدعارة والقوادة وقتل أزواجهن بل أبنائهن أيضا. وقد بيّنت بعض الدراسات أن المرأة في المغرب والجزائر وتونس مسؤولة عن نحو 6 في المائة من الجرائم مقارنة بالجرائم التي يرتكبها الرجل. وهذا ما جعل العديد من النساء خلف القضبان.
وهكذا لم يعد السجن خاصا بالرجال، كما كان في الماضي، بل أصبحت المرأة تتقاسمه مع الرجل ، إذ بلغ مجموع الساكنة السجنية بالمغرب خلال سنة 2019 ، 86 384 سجينا ضمنها 2,34 في المائة نساء، حسب تقرير المندوبية العامة للسجون لسنة 2019، ولتقريب القارئ من الجرائم المقترفة بصيغة المؤنث، سنكشف في هذه الحلقات عن مجموعة من النساء المجرمات اللواتي اشتهرن بجرائمهن، سواء داخل المغرب أو خارجه.
< إعداد: حسن عربي
الحلقة السابعة
ميوكي إيشيكاوا أو “قابلة الشيطان” كما يسميها اليابانيون
المرأة التي قتلت ما لا يقل عن 103 أطفال حديثي الولادة
في تاريخ السفاحين، أو ببساطة القتلة، تتباين الأسباب التي تقف خلف إجرامهم. غالباً ما يتساءل الناس عن دوافع بعض البشر ليكون القتل أبسط وأسهل خياراتهم. قد تكون إحدى الأجوبة شعور القاتل بأنه متمكن من إزهاق حياة الآخرين أنى شاء، الأمر الذي يولد لديهم اعتقاداً بأن الكلمة الحاسمة حول مصير الناس بيدهم. إحساس يوّلد حماسة وشبه تخدير لا يمكنهم ضبطه. ماذا يدور في عقول هؤلاء ليظنوا أن من حقهم أن يقرروا مصير الآخرين؟
القصة التي سنعرضها عليكم هنا، نموذج فظيع لوهم التفوّق على الآخرين وتقرير ما هو الأفضل لهم، حتى عندما لا يكون لدى “المتفوّقين” أي معرفة عما يجري في الواقع.
إنها واحدة من تلك القصص المروعة، حيث الأسباب، مهما تنوعت، تظل نتائجها مقيتة وفظيعة بشكل لا يُحتمل. إنها ميوكي إيشيكاوا أو “قابلة الشيطان” كما يسميها اليابانيون، المرأة التي قتلت ما لا يقل عن 103 أطفال حديثي الولادة “لتجنّبهم حياة البؤس والفقر”.
بدأت القصة في العام 1945، بعدما عانت اليابان من اقتصاد حرج وأزمات اجتماعية كبيرة، بسبب ما خلفته الحرب من دمار. معظم سكان اليابان غرقوا في بؤس شديد، وعلاوة على ذلك واجهوا أيضاً ظاهرة اجتماعية هي التزايد الكبير في عدد الولادات.
الأحداث الفظيعة التي وقعت وطبعت ذاكرة اليابانيين جاءت في ظل هذا السياق. لا توجد أية معلومات حول حياة إيشيكاوا قبل أن تصبح سفاحة أطفال. لكن المعروف أنها ولدت في العام 1897 في بلدة صغيرة تدعى كينيتومي، جنوب البلاد. درست في جامعة طوكيو، وتزوجت، ثم بدأت تعمل قابلة في جناح الولادة في مستشفى، حتى أصبحت مديرة الجناح. وفقاً للمتداول من الروايات حولها، لاحظت إيشيكاوا أن معدل المواليد يتزايد بشكل كبير، وأن الأزواج قلقون جداً لكونهم بالكاد يملكون المال لإطعام أنفسهم. هذا ما دفعها للاعتقاد بأن الحل الأفضل هو جعل جميع هؤلاء الرضع حديثي الولادة يموتون، وذلك لــ “تعوضهم” عن حياة مليئة بالبؤس والمرض والمعاناة.
حنون إيشيكاوا لم يقف هنا. إذ لم تقرر فحسب أفضلية موت الأطفال على حياتهم، بل إنها وافقت على طلب بعض الأزواج إجراء عمليات إجهاض، كانت غير قانونية البتة وعواقبها توازي جناية القتل العمد. بدأ الفقراء الذين لا يدركون ما عليهم فعله مع أطفالهم أو أولئك الذين لا يريدون أطفالهم يلجأون لإيشيكاوا لتعطيهم “الحل”!!
أفعال إيشيكاوا لم تعد سراً في المستشفى أو أمام القابلات الأخريات العاملات معها، فقد اتهمنها بأنها ليست إنسانة وفاقدة للعاطفة، وحاولن تحذير هيئة الحكم المحلية لكنها قابلتهن بالتجاهل.
سرعان ما أدركت إيشيكاوا أنها بحاجة إلى مساعدة في جرائمها المتواصلة، فأشركت زوجها وطبيباً يدعى شيرو ناكاياما. كونت إيشيكاوا مجموعة من القتلة طلبوا الأموال لقاء عمليات الإجهاض والقتل، مبررين بأن ما يتلقونه من “أتعاب” يبقى أقل بكثير مما سيتكبده الآباء والأمهات فيما لو أبقوا على أطفالهم أحياء. لقد توكلت إيشيكاوا برعاية عمليات القتل، ثم جمع زوجها المال من الآباء اليائسين، وتولى الدكتور ناكاياما مهمة تزوير شهادات الوفاة. كان مخططهم مثالياً بحسب اعتقادهم، ولكن لم يمر وقت طويل بعد أن بدأوا بتنفيذه، حتى تم القبض عليهم من قبل الشرطة المحلية.
في العام 1948، عثر إثنان من ضباط الشرطة على رفات خمسة أطفال حديثي الولادة. بدأ التحقيق بعدما كشفت عمليات تشريح الجثث أنهم لم يتوفوا لأسباب طبيعية.
عندما بدأت المحاكمة، كان من الواضح أن إيشيكاوا لم تتأثر أبداً ولم تأسف على أفعالها. كان الأمر بسيطاً بالنسبة لها، أي أنها لا تتحمل ذنب أطفال ماتوا قتلاً بعد أن تخلى عنهم آباؤهم وأمهاتهم. لكن الأسوأ من هذا، هو أنه بينما كانوا يستجوبون وينتظرون المحاكمة، قاد التحقيق الضباط والمحققين إلى معبد حيث عثروا على حوالي ثلاثين جثة لأطفال دُفنوا فيه. كلهم ماتوا بنفس الطريقة. في المحكمة أنكرت إيشيكاوا أن تكون قتلت أي طفل أو أجهضته بدافع فردي، وأن ما فعلته كان تلبية لرغبة الآباء والأمهات بالتخلص من أطفالهم بسبب وضعهم البائس.
كان لكلامها بعض التأثير على هيئة المحلفين، وللمفاجأة فقد أدينت بجريمة الإهمال بدلاً من القتل، حيث حُكم عليها بالسجن لمدة 8 سنوات، وعلى شركائها 4 سنوات. عاود الزوجان الإستئناف في المحكمة العليا في طوكيو فخفضت عقوبتهما إلى النصف.
تُعتبر ميوكي إيشيكاوا السفاحة التي تمتلك أكبر عدد من الجرائم في تاريخ اليابان. ويرى البعض أن هذه المأساة كانت السبب الرئيسي الذي دفع الحكومة اليابانية للنظر في تشريع الإجهاض في اليابان.