في زيارة ترحمية لقبر الفقيد علي يعته في الذكرى السابعة والعشرين لرحيله

نبيل بنعبدالله: ما أحوجنا إلى استحضار ما كان عليه سي علي من شجاعة وبعد نظر ووضوح في الرؤية تضع مصلحة الوطن والشعب فوق كل اعتبار
المغرب بحاجة اليوم إلى طبقة سياسية وطنية لا تكتفي بالتكيف الحيادي مع الواقع بقدر ما تسعى نحو التقدم ونحو التغيير

بمناسبة الذكرى السابعة والعشرين لرحيل المناضل التقدمي علي يعته، الأمين العام المؤسس لحزب التقدم والاشتراكية، نظم المكتب السياسي للحزب، وقفة ترحمية، على قبر الفقيد، بعد عصر يوم الخميس 28 غشت 2024، بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء، بحضور أعضاء المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، يتقدمهم الأمين العام، محمد نبيل بنعبد الله، وأعضاء من اللجنة المركزية، ومناضلات ومناضلو الحزب، بالإضافة إلى إدارة مؤسسة “بيان.ش.م” وصحافييها.
وألقى نبيل بنعبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، كلمة بالمناسبة، استحضر فيها  بقوة خصال ومناقب الفقيد علي يعته، والمكانة البارزة التي تبوأها في الحياة السياسية المغربية، وجهوده من أجل بناء يسار مغربي متسم بالنضج السياسي وبروح المسؤولية، وإسهامه القوي والغني في الحياة البرلمانية، ودوره الريادي والمتميز في المشهد الإعلامي الوطني، مؤكدا على أنه  بالرغم من  رحيله جسديا، منذ عشرين سنة، فإنه ما يزال حاضرا بقوة في كيان كل الرفاق والرفيقات، من خلال فكره ومبادئه وقيمه، التي تشكل اليوم مصدر إلهام في سلوكهم النضالي وفي الحياة السياسية.
وكانت القضايا الوطنية، يقول نبيل بنعبد الله، في صلب فكر ونضال الراحل؛ وذلك منذ انخراطه في العمل السياسي خلال مرحلة شبابه، وعمره لا يتجاوز العشرين ربيعا إلا بقليل، مما جعله يقضي ما يربو على ستة وخمسين سنة من حياته، في العمل النضالي ابتداء من الحزب الوطني وتنظيمه الكشفي أولا، ثم وأساسا، داخل تنظيمات الحزب الشيوعي في المغرب قبل أن يتحول هذا الأخير إلى الحزب الشيوعي المغربي، حيث أصبح الرفيق علي يعته منذ 1945 أمينا عام له.
وفي تصريح لبيان اليوم، أكد عبد الواحد سهيل، عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، أن المناضل علي يعته، يعد من رجالات الوطن الذين ناضلوا من أجل استقلال البلاد، ودافعوا عن وحدتها الترابية، والديمقراطية والتقدم، والعدالة الاجتماعية، بل لم تثنيه أي نوع من أنواع الصعاب التي واجهها، كان دائما مثابرا صبورا، واضحا في الرؤى، يؤكد عبد الواحد سهيل، مضيفا أن الراحل كان غير مكترث لما كان يلاقيه من مواجهات وتعثرات.. وأعرب عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية عن فخره لكونه اشتغل عقودا من الزمن مع المناضل وفقيد الوطن علي يعته، موضحا أنه كان بالنسبة له ولرفاقه بالحزب بمثابة المعلم، حيث كان يتسم بالتواضع والبشاشة والتفاؤل بمستقبل تكتسيه الديمقراطية والحرية الفكرية.
ومن جانبه، أبرز أحمد زكي، عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، أن المناضل علي يعته هو شخصية تاريخية يتجسد فيها نبل العطاءات وحب الوطن، والدفاع عن مكوناته الترابية.. وأضاف أحمد زكي، في حديث لبيان اليوم، أن الفقيد علي يعته، كان دائما يدافع عن قضايا الوطن وعن حقوق الشعب المغربي، وعن التضامن الدولي، لأن المناضل علي يعته كان من القادة الوطنيين والدوليين، وكان له، باعتباره قائدا شيوعيا صلبا، دور وإسهام في محاربة الإمبريالية العالمية، وأوضح عضو المكتب السياسي، أن فقيد الوطن علي يعته، كانت كلمته تحترم من طرف القادة الشيوعيين عبر العالم. وقال أحمد زكي إن زيارة قبر هذا المناضل تدخل في إطار تقليد الاعتراف والعرفان الذي سنه الحزب عبر تاريخه، وكذلك من أجل التعريف بالرصيد الهام للمناضل والقائد الفقيد علي يعته بالنسبة للأجيال الصاعدة.
وفي السياق ذاته قال المحجوب الكواري، عضو مجلس رئاسة حزب التقدم والاشتراكية، في تصريح لبيان اليوم، “إن زيارتنا لقبر فقيد الوطن، فقيد الحزب، تندرج ضمن المكانة والأهمية التي يوليها الحزب لقادته التاريخيين، وعلى رأسهم الرفيق الراحل علي يعته الذي يعد مثلنا الأعلى، وقدوتنا في المجال السياسي، والمجال النضالي، رجل وهب حياته من أجل الدفاع عن الوطن، وعن حقوق الشعب المغربي، وعن الديمقراطية والحرية، وفي الحقيقة، يختم عضو مجلس الرئاسة للحزب، لا يمكن أن تمر هذه المناسبة، دون أن نتذكر أن فقيدنا أعطى الكثير لهذا الوطن، ولنا جميعا.
وفيما يلي النص الكامل لكلمة نبيل بنعبد الله:

رفيقاتي، رفاقي،

ها نحن، ككل عامٍ، نقف وقفة الإجلال والإكبار، وقفةَ الذكرى والعِبَر، أمام الروحِ الطاهرة لرجلٍ فـــــذ وزعيم استثنائي، فقيدِ الوطن والشعب والحزب، الراحل علي يعته، الوطني الديموقراطي التقدمي، تغمده الله بواسع رحمته.
سبع وعشرون سنة مرت، مثل رمشة عين، على ذاك الفقدان الأليم، وها نحن نُخلِّـــدُ ذكرى ذلكَ الرحيلِ المفجع لقائدنا ونِبراسِ طريقِنا وأحد فُــــرسانِ فضائنا السياسي وصَفِّنا الوطني الديموقراطي ويَسَارِنا المغربي، على مدى عقود من الزمن.
ولا نقف اليوم، فقط، لاستذكار مسيرة سي علي، رمزُ الرعيل المؤسِّس، الحافلة بالتضحيات والعطاءات سياسيا وإعلاميا وبرلمانياًّ، بل أيضاً وأساساً لأجل مواصلة استلهام الدروس التي هي إرثٌ لا يَــفْــنى، ذلك أنه من لا ماضي له لا حاضر ولا مستقبل له. وهكذا يمكنُ الاستمرارُ في المسار بوفاءٍ وتجديد.
نعم، إنها سبعة وعشرون عاماً انقضت بعد رحيل السي علي، تغيرت فيها كثيرٌ من الأشياء ببلادنا لم يُكتَبُ لفقيدنا أن يعيش ليراها، وإنْ كان من المساهمين في وضعِ لَبِناتِها الأولى؛
لكن كثيراً من الأشياء لا تزالُ تستحق النضال والكفاح على نفس خطى ودربِ فقيدنا علي يعته.
ولذلك لن نَحيدَ عن هذا الطريق القَــــويم، سعياً نحو بناء المغربِ القوي والمزدهر الذي أفنت قاماتٌ وطنية عُـــمرها في الحلم به والعمل من أجله، وقِوامُهُ توطيد وحدتنا الترابية، والديموقراطية، والحريات، والنماء الاقتصادي، والعدالة الاجتماعية، والكرامة.
لأجل ذلك، ما أحوج الطبقة السياسية الوطنية عموماً، والصف الوطني الديموقراطي خصوصاً، واليسار المغربي على وجه التحديد، اليوم أكثر من أيِّ وقتٍ مضى، إلى رجالاتٍ من طينة الراحل علي يعتة، رجالاتٍ بَصَــــمُـــوا فعلاً فضاءَنَا العمومي، خلال القرن الماضي، بغيرتهم الوطنية، بالتزامهم، بصُمودهم، بأخلاقهم العالية وبِـنُكران الذات، بجرأتهم وشجاعتهم ومسؤوليتهم.
هكذا، كان سي علي، الذي أنجبته هذه التربة الأصيلة لهذا الوطن العظيم، كما أنجبت عديدين من معدنه في مشاربَ فكريةٍ وسياسية متعددة، وهي قادرةٌ على إنجاب أخرياتٍ وآخرين.
فما أحوجَـــنَا، اليوم، وبلادُنا أمامها حجمٌ هائلٌ من التحديات والرهانات، إلى تلك الخصال التي تحلى بها جيل التأسيس الأول.
إنها خصالٌ يصعبُ حصرُها في مُجردِ كلمات، لأنها كانت نمطَ حياة، وأسلوبَ تفكير، ومنظومة سلوك….. ثم إنها خصالٌ إنسانية سامية يتعين أن تكون ممتدة في الزمان، ولا يستقيمُ الادعاءُ بأنها جزءٌ من ماضٍ محدَّد نَحِنُّ إليه، أو أنها من جُملة ما هو خاضعٌ بطبيعته للتغيُّر بمرور الوقت.
نعم، رفيقاتي رفاقي، ما أحوجنا، اليوم، ليس في حزبنا فحسب، بل في كل الفضاء السياسي، أن نستلهم من تلك التجارب الرائعة لجيلٍ رائع في طليعته فقيدُنا سي علي، الذي كان قُدوةً في إقران القول السديد بالعمل المتفاني؛ وفي التفاؤل، وفي فتح الآفاق مهما اشتدت الصعابُ والمِحن والخيْبات؛ والذي كان نموذجاً في التفكير العقلاني المستندِ إلى الواقع وفق منهج صارمٍ في التحليل الجدلي؛ والذي كان مثالاً في النزاهة الفكرية والاستقامة الشخصية، وفي المصداقية؛ والذي كان بقدر وفائه لمبادئه وقيمه ولخطه الفكري والسياسي، بقدر تشبثه بالعمل الوحدوي كما بالتوافقات الكبرى.
فعلاً، ما أحوجنا إلى استحضار ما كان عليه فقيدُنا سي علي من شجاعةٍ في التعبير عن المواقف المسؤولة، ومن بُعد نظرٍ ووضوحٍ في الرؤية، ومن عدم تأثر بالحسابات الضيقة، حيثُ مصلحة الوطن والشعب هي الأولى والأخيرة في كل الأوقات والظروف، وهي فوق كل اعتباراتٍ انفعالية من شأنها أن تُفضي إلى الانتهازية أو المغامرة.
وما يبرر، بقوة، حاجة مغرب الحاضر والفضاء السياسي الراهن، إلى نساءٍ ورجالٍ يستنيرون بسيرة سي علي وأمثاله من الهامات الوطنية الفريدة، هو أن بلادنا اليوم فعلاً في أمسِّ الحاجة إلى الارتكاز على الإيجابيات والمكتسبات المحققة، لمُباشرة جيلٍ جديدٍ من الإصلاحات العميقة والحقيقية، بِــنَفَــــسٍ ديموقراطيٍّ جديد.
ولأن مغربنا يستحق هذا الانتقال نحو الأفضل تنمويا وديموقراطيا، ولأن التغيير لا بد له من نساء ورجال يحملون هَمَّهُ ويُؤدُّون كُلفَتَهُ ويصبرون على تبعاته، فإن هناك ضرورةً لإبراز طبقة سياسية وطنية لا تكتفي بالتكيّف الحيادي مع الواقع بقدر ما تسعى بصدقٍ، إراديا ونضاليا، نحو التقدم ونحو التغيير.
من كل ذلك تنبع الحاجة، اليوم، إلى استلهام مسيرة السي علي.
فلترقد روحك بسلام أيها القُدوةُ والمربِّي والقائد والمفكِّر والصحفي والزعيم والمؤسِّس…. وإنَّا على دربك سائرون.

< هاجر العزوزي
< تصوير: طه ياسين شامي

Top