حموني يكشف اختلالات برنامج الدعم المباشر للسكن ويدعو الحكومة لمحاربة ظاهرة “النوار”

وجه رشيد حموني رئيس فريق التقدم والاشتراكية انتقادات واسعة لرئيس الحكومة ووزرائه على خلفية ما وصفه محاولاتِ تقزيم دور المعارضة، والبرلمان وجعله صوريا وشكليا.

وقال رشيد حموني خلال تعقيبه أول أمس الاثنين على عزيز أخنوش ضمن جلسة الأسئلة الشهرية المخصصة للأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة الموجهة إلى رئيس الحكومة حول موضوع “سياسة التعمير والسكنى وأثرها على الدينامية الاقتصادية والتنمية المجالية والاجتماعية”، (قال) إن التصريح السابق لرئيس الحكومة بكون رأي المعارضة لا يهم الحكومة، تصريح يتنافى مع الدستور ومع الديموقراطية.

وطالب حموني رئيس الحكومة بالاعتذار عن هذا التصريح الذي سبق وأن أدلى به في كلمة سابقة له بمجلس النواب لتقديم حصيلة الحكومة لمنتصف الولاية، مشيرا في هذا الصدد إلى الدور المهم والأساسي الذي تلعبه المعارضة، والبرلمان عموما، والذي يمتد إلى إيصال قضايا المواطنين وهمومهم.

وحذر حموني من مخاطر تسفيه العمل البرلماني وما وصفه بمحاولات تقزيم دور هذه المؤسسة التشريعية الهامة وجعلها مؤسسة صورية وشكلية فقط. حيث وجه في هذا الإطار انتقادات لاستمرار تغيب الوزراء عن الجلسات الأسبوعية العامة المخصصة للأسئلة الشفهية وداخل اللجان البرلمانية.

وأردف حموني في تعقيبه على رئيس الحكومة قائلا “ماذا يبقى أمام ممثلي الأمة ليفعلوه في هذه المؤسسة الدستورية الهامة حين يرفض وزراء، دون مبرر مقنع، أن يأتوا لجلسة المساءلة، وقطاعاتهم مبرمجة في القطب الأسبوعي.

كما انتقد حموني رفض الوزراء المثول العاجل أمام لجنة برلمانية للتفاعل مع قضايا حارقة وطارئة تهم المجتمع والرأي العام، كأزمة كليات الطب والصيدلة التي قال “إن الحكومة تركتها تتفاقم على مدى سبعة أشهر”، متابعا في نفس السياق “أو لتفسير التملص من اتفاق حكومي رسمي مع مهنيي الصحة، أبطال جائحة كورونا، الذين تعرضوا، بشكل نستنكره، للعنف، لا لسبب إلا لأنهم يدافعون عن مطالبهم المشروعة”. 

وزاد حموني مخاطبا رئيس الحكومة “ماذا يبقى للبرلمانيين إذا لم يتجاوب معهم الوزراء المطالبين بأن يناقشوا ويفسروا أسباب رفض مقترح قانون، حتى لو كان من دون أي أثر مالي، علما أن الدستور يضع مشاريع القوانين ومقترحات القوانين في نفس المرتبة، أو أن يجيبوا على سؤال برلماني، بالشكل والمضمون اللازمين، في الوقت الدستوري دون تركه تمر عليه شهور”.

وسجل رئيس فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب أن كل المبادرات البرلمانية، سواء جاءت من المعارضة أو الأغلبية، ليست ترفا زائدا من الكماليات، بل هي صوت الناس ومنبرهم المؤسساتي الذي يجب أن يمنحهم الثقة ويحميهم من الاضطرار للجوء إلى الشارع.

وجدد حموني، في هذا الإطار، التأكيد لرئيس الحكومة على مسؤوليته ودوره الأساسي والمحوري باعتباره رئيسا لهؤلاء الوزراء، مشددا على الحكومة تعمل على التعطيل الفعلي لمهام البرلمانيات والبرلمانيين، “لأنها لا تريد، عمليا التحدث سوى فيما يناسبها، وفي الزمن الذي يلائمها، وبالطريقة التي تعجبها”، وفق تعبيره.

وشدد حموني على أن الطريقة التي تتعامل بها الحكومة مع البرلمان غير مقبولة، حيث قال في هذا الصدد إن “هذا الأمر غير مقبول ولن نسكت عنه، ولن نتساهل معه أبدا في المستقبل، عبر اتخاذ كل الخطوات التي نراها مناسبة، دفاعا عن الدستور، وعن مصداقية المؤسسة البرلمانية، وعن الديموقراطية التي قدمت تضحيات كبيرة، على مدى أجيال، لأجل بنائها. 

من جهة أخرى، وفيما يتعلق بمحور الجلسة الشهرية التي خصصت لمسائلة رئيس الحكومة حول “سياسة التعمير والسكنى وأثرها على الدينامية الاقتصادية والتنمية المجالية والاجتماعية”، لفت حموني إلى أن قطاع التعمير والسكنى يعرف تحديات كبيرة.

وأضاف حموني أن فريق التقدم والاشتراكية يدرك تحديات هذا القطاع جيدا، لأن الحزب سبق وأن دبره في حكومات سابقة، حيث قال في هذا الصدد “نجحنا في بعض الأمور، وتركنا وراءنا بعض النقائص، وهذا هو قدر كل مسؤول”.

وشدد حموني على أن الإنجاز ينبني على التراكم وأن التواضع هو الذي يجب أن يسود في تقييم أي حصيلة، عوض اتهام الماضي بالسواد المطلق أو الادعاء بإنجاز كل شيء، مشيرا إلى أن من ينتقد هذا في الحكومة الحالية كان شريكا في الحكومات السابقة ولا يحق له توجيه انتقادات عشوائية لتدابير أسهم فيها بشكل مباشر، في إشارة إلى الحزب الذي يقود الحكومة.

وبعدما توقف عند التحديات التي يعرفها قطاع التعمير والسكنى، قال حموني إنه يتعين التعاطي معه على أنه استراتيجي اقتصاديا واجتماعيا “لأن توفير السكن اللائق للمواطن يوجد في قلب المسألة الاجتماعية، ولأن السكنى مفهوم أشمل يرتبط بسياسة المدينة”. وفق تعبيره.

وذكر حموني بأن حزب التقدم والاشتراكية الذي دبر القطاع في الحكومتين السابقتين كان له شرف إدخاله إلى حقل السياسات العمومية بالمغرب، منذ 2012. داعيا إلى مواصلة العمل ومراكمة المكتسبات على هذا المستوى.

إلى ذلك، وبعدما أشار المتحدث إلى الركود الاقتصادي الذي أصاب هذا القطاع، في السنوات الأخيرة، بفعل نهاية البرامج السكنية القائمة على دعم المنعشين العقاريين، وبسبب جائحة كورونا، وبسبب غلاء المواد الأولية، دعا حموني الحكومة إلى سن تدابير قوية لدعم هذا القطاع الأساسي، بمقاولاته الكبرى والصغرى والمتوسطة، إضافة إلى السكن التعاوني، أي الوداديات السكنية، مشددا على أن ذلك من شأنه أن يساهم في خفض نسبة البطالة التي بلغت أرقاما قياسية في عهد هذه الحكومة.

هذا، وأوضح حموني أنه بالرغم من المجهودات الكبيرة التي بذلتها الدولة وإنفاقها مبالغ جد باهظة على برامج القطاع والتي أسهمت في تحقيق بعض النجاحات، إلا أن هناك مجموعة من النقائص والسلبيات، والتي حددها رئيس فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب في التعبئة أو تصفية الأوعية العقارية، ونقص المواكبة الاجتماعية والمرفقية، بالإضافة إلى التحدي الذي ما يزال يرافق الولوج إلى التمويل والقروض بالنسبة للأسر المستضعفة.

 في هذا الصدد، وجه حموني انتقادات واسعة لبعض البرامج التي سطرتها الحكومة لدعم السكن وفي مقدمتها الدعم المباشر لاقتناء السكن القائم على مقاربة مختلفة عن السابق، والذي قال حموني إن الفريق يسانده، لكنه لم يستطع تحقيق الأرقام المرجوة أو المعلن عنها.

وكشف حموني أن هناك فرقا كبيرا بين الأرقام المعلنة من قبل الحكومة والتي حددت استفادة 110 ألف أسرة سنويا بكلفة 9.5 مليار درهما سنويا، وبين ما هو منجز فعلا إلى حد الآن، حيث جرى إلى حدود نهاية يونيو 2024، صرف أقل من 01 مليار درهما لفائدة 16 ألف و300 مستفيدا فعليا، بنسبة فعالية لا تتجاوز 10 إلى 15 بالمئة خلال نصف سنة.

وأكد حموني في معرض تدخله على أن هناك حاجة لسن تدابير ضرورية من قبل الحكومة الحالية لضمان نجاح برنامج دعم السكن والذي يكمن أساسا في محاربة ظاهرة “النوار” المتنامية، وكذا تدابير لضمان إقبال المنعشين العقاريين، المتعودين على نمط دعم سابق، على إنتاج ما يلزم من عرض سكني، وخاصة السكن الاجتماعي، وتحريك الآليات والمبادرات العمومية لتوفير هذا الصنف من السكن، وفق مبدأ العدالة المجالية.

وخلص حموني إلى أن القطاع يعرف تحديات كبيرة، خصوصا ما يتعلق بملفات التعمير والإسكان وسياسة المدينة، بسبب كثرة المتدخلين، والإكراهات التي تفوق المسؤولين. حيث أشار إلى أن الإنجاز فيه يأتي عبر التراكم ومواصلة العمل ومسار الإصلاح الذي قال إنه لم يبدأ في عام 2021 مع الحكومة الحالية ولن ينتهي معها في سنة 2026.

فيما يلي النص الكامل لتعقيب النائب رشيد حموني رئيس فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب:

السيد رئيس مجلس النواب، السيدات والسادة النواب والوزراء؛
السيد رئيس الحكومة المحترم؛
قَبْلَ البدء في مناقشة موضوع التعمير والسكنى، نتمنى أن يحظى كلامنا بالاحترام اللازم من طرفكم، حيث نُذَكِّرُكُم بتصريحكم الأخير تحت هذه القبة الموقَّرَة بِكونِ رأيِ المعارضة لا يَهُمُّكُم، وهو تصريحٌ يتنافى مع الدستور ومع الديموقراطية، بما يَستوجب منكم الاعتذار الذي هو من شِيَمِ الكبار.
ويجب أن تتفق مُنذ البداية، على أن دور المعارضة، والبرلمان عموماً، يمتدُّ أساساً إلى إيصال قضايا المواطنين وهمومهم، لأننا نُمثِّل الأمة. وسوف لن يكون فينا خيرٌ إذا لم يكن لنا أيُّ ردِّ فعلٍ أمام محاولاتِ تقزيم هذا الدور أو جَـــعْـــلِـــهِ صُورياًّ وشكلياًّ.
أَفَلَمْ يَقُلْ جلالةُ الملك في أحد خُطبه السامية: “إن الهدف الذي يجب أن تسعى إليه كل المؤسسات هو خدمة المواطن، وبدون قيامها بهذه المهمة، فإنها تبقى عديمة الجدوى، بَـــلْ لا مبرر لوجودها أصلًا”.
لذلك، قُولوا لنا، السيد رئيس الحكومة المحترم، ماذا يبقى أمام ممثلي الأمة ليفعلوه في هذه المؤسسة الدستورية الهامة حين يرفضُ وزراءٌ، دون مبرر مُقنع، أن يأتوا لجلسة المساءلة، وقِطاعاتُــهم مُبرمجة في القطب الأسبوعي؟
أو للمثول العاجل أمام لجنةٍ برلمانية للتفاعل مع قضايا حارقة وطارئة تهمُّ المجتمع والرأي العام، كأزمة كليات الطب والصيدلة التي تَــــرَكَــــــتْــــهَا الحكومةُ تتفاقمُ على مَـــدَى سبعة أشهر؟ أو لتفسير التملُّص من اتفاقٍ حكومي رسمي مع مهنيي الصحة، أبطال جائحة كورونا، الذين تعرضوا، بشكلٍ نستنكره، للعنف، لا لسببٍ إلاَّ لأنهم يدافعون عن مطالبهم المشروعة؛
ماذا يبقى للبرلمانيين إذا لم يتجاوب معهم الوزراء المطالَبين بأن يُناقشوا ويفسروا أسباب رفض مقترح قانونٍ، حتى لو كان من دون أيِّ أثر مالي، عِلماً أن الدستور يضع مشاريع القوانين ومقترحات القوانين في نفس المرتبة.
أو أنْ يُجيبوا على سؤال برلماني، بالشكل والمضمون اللازميْن، في الوقت الدستوري دون تركه تمرُّ عليه شهور؟
إنَّ كل المبادراتُ البرلمانية، سواءٌ جاءت من المعارضة أو الأغلبية، ليست تَرَفاً زائداً من الكماليات، بل هي صوتُ الناس ومِنبرهم المؤسساتي الذي يجب أن يَمنَحَهُم الثقة ويَحميهم من الاضطرار للُّجوء إلى الشارع. وفي هذا الشأن دوركم أساسي ومحوري، السيد رئيس الحكومة، باعتباركم رئيساً لهؤلاء الوزراء.
لكن للأسف، فالحكومة تَعملُ على التعطيل الفعلي لمهام البرلمانيات والبرلمانيين، لأنها لا تريد، عمليًّا التحدث سوى فيما يناسبها، وفي الزمن الذي يلائمها، وبالطريقة التي تُعجِبُها.
وهذا أمرٌ غير مقبول، ولن نسكت عنه، ولن نتساهل معه أبداً في المستقبل، عبر اتخاذ كل الخطواتِ التي نراها مناسِبَة، دفاعاً عن الدستور، وعن مصداقية المؤسسة البرلمانية، وعن الديموقراطية التي قُدّمت تضحياتٌ كبيرة، على مدى أجيال، لأجل بنائها.
وهنا لا بد من استحضار ما جاء في أحد الخطب الملكية السامية: “من حق المواطن أن يتساءل: ما الجدوى من وجود المؤسسات، وإجراء الانتخابات، وتعيين الحكومة والوزراء، والولاة والعمال، والسفراء والقناصلة، إذا كانون هم في واد، والشعب وهمومه في واد آخر؟”.
هذا هو المغزى العميق من التخليق، السيد رئيس الحكومة. ونرجو أن تساعدوا، من موقعكم، في تغيير سلوك الحكومة، إزاء قضايا المواطنين وإزاء صوت البرلمان ومكانته.

السيد رئيس الحكومة؛
عودةً لموضوع اليوم، المتعلق بسياسة التعمير والسكنى، فنحنُ نعرف تحديات هذا القطاع جيداً، لأننا دبَّرناهُ لفترة، ونجحنا في بعض الأمور، وتركنا وراءنا بعض النقائص، وهذا هو قَدَرُ كل مسؤول. فالإنجازُ ينبني على التراكم. والتواضع هو الذي يجب أن يسود في تقييم أيِّ حصيلة، عوض اتهام الماضي بالسواد المطلق أو الادعاء بإنجاز كل شيء.
ولأَنَّ الوقت لا يسمح، سنُدلي بخَمس ملاحظاتٍ أساسية:
أولاً: قطاع التعمير والسكنى يتعين التعاطي معه على أنه استراتيجي اقتصاديا واجتماعيا. لأن توفير السكن اللائق للمواطن يُوجد في قلب المسألة الاجتماعية، ولأن السكنى مفهومٌ أشمل يرتبط بسياسة المدينة. وكان لنا شرفُ إِدْخَــــالِـــهِ إلى حقل السياسات العمومية بالمغرب، منذ 2012. وتمَّ في هذا الإطار إطلاقُ وتمويل مئات المشاريع في معظم المدن التي لا تزال تشتغل إلى اليوم بما قُدِّمَ لها من دعمٍ مالي.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن ركوداً اقتصاديا أصاب هذا القطاع، في السنوات الأخيرة، بفعل نهاية البرامج السكنية القائمة على دعم المنعشين العقاريين، وبسبب جائحة كورونا، وبسبب غلاء المواد الأولية، حيث انخفضت مساهمة القطاع العقاري في القيمة وفي دعم الاقتصاد الوطني. وهو ما يتطلب تدابير قوية من الحكومة لدعم هذا القطاع الأساسي، بمقاولاته الكبرى والصغرى والمتوسطة، إضافةً إلى السكن التعاوني، أي الوداديات السكنية، لَعَلَّ ذلك يُساهم في خفض نسبة البطالة التي بلغت أرقاماً قياسية في عهد هذه الحكومة.
ثانيا: الدولة بذلت مجهودا كبيرا، وأنفقت مبالغ جد باهظة على برامج القطاع. ولذلك، تمّ تحقيق عدة نجاحات. ومع ذلك لا تزال هناك ثغرات ونقائص وسلبيات، مثل تعبئةِ أو تصفية الأوعية العقارية. ونقصِ المواكبة الاجتماعية والمرفقية. ويظل الولوجُ إلى التمويل والقروض بالنسبة للأسر المستضعفة أكبر التحديات.
ثالثا: بخصوص الدعم المباشر لاقتناء السكن القائم على مقاربة مختلفة عن السابق، والذي نسانده، فبالإضافة إلى الفرق الكبير بين الأرقام المعلنة (110 ألف أسرة سنويا بكلفة 9.5 مليار درهماً سنويا) وبين ما هو منجز فعلا إلى حد الآن (صرف ما يكافئ، إلى حدود نهاية يونيو 2024، أقل من 01 مليار درهماً لفائدة 16300 مستفيداً فعليا، أي بنسبة فعالية لا تتجاوز 10 إلى 15% خلال نصف سنة)؛
ولذلك، نعتقد أنه توجد تدابير ضرورية عليكم أن تتخذوها، كحكومة، لضمان نجاح هذا البرنامج، وأساساً محاربة ظاهرة “النوار” المتنامية، وضمان إقبال المنعشين العقاريين، المتعَوِّدِين على نمطِ دعمٍ سابق، على إنتاج ما يلزم من عرض سكني، وخاصة السكن الاجتماعي، وتحريك الآليات والمبادرات العمومية لتوفير هذا الصنف من السكن، وفق مبدأ العدالة المجالية.
وهنا من الضروري الإشارة إلى معالم التغييرات الإيجابية في مؤسسة العمران التي عليها التخلي عن مقارباتها الفاشلة في السابق، والتركيز على الإسهام في المجهود العمومي بميدان السكن الاجتماعي، ولا سيما في المناطق النائية.
رابعا: في مجال التعمير، لا يمكن سوى التنويهُ بالتقدم الذي عرفته بلادُنا على مستوى التغطية بوثائق التعمير. مع إثارتنا الانتباه إلى أهم ما يجب معالجته، وخاصة: جعل التعمير ينطلق من مقاربات تنموية منفتحة، وليست تقييدية، والحد من التَّــــعَدُّد الـــــمُــــتَـــضَـــخِّــــم للمتدخلين؛ وإعادة تموقع الوكالات الحضرية ترابيا للتلاؤم مع الجهوية، ووظيفيا لتجميع مهن السكنى والتعمير وإعداد التراب وسياسة المدينة في وكالات جهوية موحدة ومعززة بالموارد البشرية اللازمة.
في هذا السياق، لا بد من الشروع في الانتقال إلى جيلٍ جديدٍ من وثائق التعمير، تأخذ بعين الاعتبار خصوصيات البناء في العالم القروي والمراكز الصاعدة والمناطق الجبلية؛ وثائق تعميرية تقطع مع طابعها الجامد، بما يرفع من نسبة إنجاز المرافق العمومية المقررة فيها، وعدم إهدار العقار وتجميده، وبما يجعل من التعمير أداةً مَرِنة لتحفيز الاستثمار، من خلال الانفتاح على التعمير بالأهداف، وعلى التعمير التفاوضي ( مما يتيح مثلاً إمكانية تفاوُضِ الهيئات العمومية المختصة مع مستثمرٍ خاص لتمتيعه بr+3 عوض r+2، لكن بشرط إنجاز طريق أو مدرسة أو حديقة أو ملعب قرب أو توفير السكن مجانا لعَددٍ محدد من الأسر الفقيرة مثلاً ……).
خامساً: إشكالية التقائية التدخلات والبرامج والمشاريع العمومية، والتي غالبا ما لا يتمُّ التدقيقُ في مفهومها. وهي في الحقيقة يجب أن تكون التقائية زمنية (تدخل الأطراف وفق جدولة زمنية مضبوطة ومُرَتَّبة)؛ والالتقائية القطاعية (اتفاق القطاعات على طبيعة التدخلات وأجندتها)؛ ثم التقائية مجالية أو ترابية، لتفادي “بلوكاج” المشاريع أو عدم اكتمالها، بسبب الحدود الجغرافية الإدارية بين جماعات ترابية مختلفة.
ولا يمكن تحقيق هذه الالتقائيات سوى من خلال سياسة حقيقية وفعلية لإعداد التراب الوطني والجهوي. لكن للأسف ما نَـــشْهَـــدُهُ اليوم هو أن هذه السياسة تظل عبارة عن مخططات ودراسات وتصاميم مُغَيَّبَة وموضوعة على الرفوف. ولذلك ما أحوجَنا إلى ذلك الزخم الذي أعطته حكومةُ التناوب التوافقي إلى هذه السياسة.
وفي الحقيقة، ما أحوجنا إلى زخمٍ سياسي وديموقراطي وتنموي، في كل المجالات، استثماراً للفرص التي توجد اليوم بين أيدي بلادنا. فالوقت يمر ولا يرحم، وزمن الإصلاح لا يحتمل الانتظار ولا التأجيل.
وشكراً.

محمد توفيق أمزيان

تصوير: رضوان موسى

Top