اسماعيل العلوي: عبد الله الصبيحي نموذج السلاوي المفتخر  بانتمائه والمعتز بما يمثله الوطن المغربي

وصف إسماعيل العلوي الرئيس السابق لجمعية سلا المستقبل، المرحوم الحاج عبد الله الصبيحي مؤسس الخزانة العلمية الصبيحية، بـ”النموذج السلاوي” المفتخرَ بانتمائه لمسقط رأسه والمعتز بنفس القوة بما يمثله الوطن المغربي.

وأضاف اسماعيل العلوي خلال اللقاء الذي نظمته جمعية سلا  المستقبل، يوم السبت 12 نونبر الجاري، لتخليد الذكرى الخمسينية لافتتاح الخزانة العلمية الصبيحية وتكريم مؤسسها الراحل الحاج عبد الله الصبيحي، أن الرجل الذي ضحى بوقته وبماله من أجل إهداء هذه الجوهرة لمدينته سلا ولسكانها ومن خلالهم لعموم المغاربة، قد كرس حياته للمساهمة في حفظ ماضي أولى حاضرتي مصب نهر أبي رقراق، كما وصفها المرحوم بكرم الله الأستاذ عبد العزيز بنعبد الله، أي حاضرة سلا التي كُتب لها أن تبصم تاريخ هذا الوطن العزيز بشكل ملحوظ.

وبحسب اسماعيل العلوي فإن الحاج عبد الله الصبيحي الذي ازداد سنة 1914، يشكل معلمة بارزة من معالم مدينة سلا، وجزءا لا يتجزأ من تاريخ وتراث هذه الحاضرة، وهو ما أكدته الشهادات التي تناوبت على أخذ الكلمة خلال هذا اللقاء التكريمي الذي أدار جلسته الافتتاحية سعيد سيحيدة عضو المكتب التنفيذي لجمعية سلا المستقبل.

وعرج اسماعيل العلوي، خلال اللقاء، على حياة الراحل الحاج عبد الله الصبيحي، الذي توج مسيره التعليمي وتكوينه العلمي كأحد المهندسين المغاربة الأوائل والقلائل في ميدان الفلاحة. أي في نهاية الثلاثينات من القرن الماضي،  إذ بعد إنهاء دراسته الثانوية بمدرسة Janson de Sailly الشهيرة بباريز، تخرج من المدرسة الفلاحية Grignon التي تولد عنها في السبعينيات  المعهد الوطني الفرنسي للعلوم الفلاحية (Agronomie) بمكونتيها: الزراعة وتربية الحيوانات المدجنة بجميع أصنافها، من أصغرها حجما إلى أكبرها.

وأكد الرئيس السابق لجمعية سلا المستقبل، أن مؤسس الخزانة العلمية الصبيحية الحاج عبد الله الصبيحي الذي قضى ما يفوق بقليل نصف حياته زمن الحماية الفرنسية على المغرب، قد ساهم بشكل قوي في الحياة الوطنية كفلاح متضلع في علوم الفلاحة ومارس هذا النشاط أولا، ك”سوايني” من بين “سواينية” سلا حتى أصبح أحد مسيري “حنطتهم” أي نقابتهم قبل أن ينادى عليه ليتحمل سنة 1946 منصب مندوب للصدر الأعظم مكلف بالقطاع الفلاحي والتجارة وساهم بهذه الصفة زمن المقيم العام الليبرالي “إيرك لابون” في انطلاقة خطة كانت ترمي إلى تطوير وإصلاح أوضاع الفلاح المغربي.

وبالنظر إلى سلوكه الوطني، فقد تعرض مؤسس الخزانة العلمية الصبيحية، يضيف اسماعيل العلوي، إلى العزل من مهامه، بقرار من المقيم العام الفرنسي الجنرال جوان سيئ الذكر سنة 1951 مشيرا إلى أن هذا الجنرال هو من أقدم على نفي باي تونس الوطني الغيور على مصالح شعبه و وطنه الباي منصف سنة 1943 وهو نفسه الذي شرع في سنة 1951 على المحاولة الأولى ( التي منيت بالفشل) لنفي الملك الشرعي للبلاد السلطان سيدي محمد بن يوسف محمد الخامس و بعد هذا العزل الذي وصفه المتحدث بـ “المشرف” عاد الحاج عبد الله الصبيحي إلى نشاطه الفلاحي.

وبعد فترة العسر التي عاشها الوطن ابتداء من 1948 خاصة بعد تعيين juin مقيما عاما إلى غاية 1955 تاريخ انتصار المقاومة الشعبية بالحواضر وخارجها، مع عمليات جيش التحرير ودخول الوطن مرحلة استرداد الكرامة والإعلان عن الاستقلال، وفي ظل المغرب المستقل، أفاد اسماعيل العلوي أن المغفور له محمد الخامس اختار الحاج عبد الله الصبيحي ليصبح عضوا في المجلس الوطني الاستشاري الذي أسسه الملك آنذاك برئاسة المهدي بن بركة، مشيرا إلى أنه بعد تجربة هذا المجلس التي لم تعمر طويلا، قرر الحاج عبد الله أن يودع العمل السياسي بدون رجعة ليتحول إلى اليد اليمنى لأبيه الحاج محمد، الباشا الأسبق لسلا والعضو في مجلس حفظة العرش الأسبق كذلك في المدة ما بين فاتح أكتوبر 1955 و16 نونبر من نفس السنة يوم عودة محمد الخامس إلى عرشه، فصار إذن يهتم ويعتني بخزانة الكتب التي كونها أبوه وهو الباشا – العالم طيلة حياته.

ومع مرور الوقت، يقول العلوي ” استقر رأي الأب والابن على وهب جميع محتويات هذه الخزانة وجعلها متاحة للعموم. إذن في الواقع فتكريمنا لروح الحاج عبد الله، هو كذلك وبشكل ضمني تكريم يهم في  آن واحد أباه الحاج محمد”، مشيرا إلى أن الحاج عبد الله الصبيحي بادر إلى تحبيس قطعة أرضية كان يملكها من أجل تفعيل هذا المشروع ، وقرر تشييد فوقها البناية وهي التي تعرف اليوم تحت تسمية “الخزانة العلمية الصبيحية”.

وبالنظر إلى الموقع الاستراتيجي حيث شيدت عليه هذه المنشاة العلمية والمؤسسة الثقافية، وقف اسماعيل العلوي عند الأبعاد الرمزية لهذه الخزانة، وفي مقدمة هذه الأبعاد التي أوردها المتحدث، البعد التاريخي والروحي على مقربة من باب سيدي الخباز أو باب سيدي بوحاجة، وهما يضيف العلوي شيخين عاشا نهاية الفترة الموحدية وبداية العهد المريني إذ توفي أكبرهما سنا و هو  سيدي الخباز سنة 1336 ونشير إلى أن هذا الوالي الصالح سبق له أن كان محتسبا على مدينة مراكش  في حين أن وفاة سيدي بوحاجة الذي ولد بمدينة روندا بالأندلس قبل أن يستقر بسلا زمن السلطان المريني أبي عنان الذي عينه مسؤولا على زاوية النساك شهورا قليلة قبل وفاة هذا العالم التي حدثت سنة 1356.

وأضاف إلى هذا البعد التاريخي والروحي البعد السياسي والاجتماعي، حيث أبرز اسماعيل العلوي أن الخزانة العلمية الصبيحية، توجد بساحة شهداء مظاهرات  28 يناير 1944 المؤيدة لعريضة المطالبة بالاستقلال كما مثلت هذه الساحة بعدا سياسيا لاسيما في غرة ثلاثينيات القرن الماضي إذ كانت بها محطة للحافلات التي تربط بين ضفتي أبي رقراق عبر قنطرة مولاي يوسف إذ كان يتواجد بها كل من كان متعطشا للتعرف على ما كان يقرر بالعاصمة( بالإقامة العامة و دار المخزن)، بالإضافة إلى أن الشرارة الأولى لـ”صلاة اللطيف” انطلقت من باب سيدي بوحاجة أي من المكان الذي أسست به الخزانة العلمية الصبيحية.

وبعد عملية تنقيل الكتب من المنزل العائلي إليها، قرر الراحل الحاج عبد الله الصبيحي، إغناء رصيدها بالمزيد من الكتب والوثائق المخطوطة (من عقد نكاح وقائم المتروك المحصي بعد وفاة أفراد بعض الأسر) ” التريكات ” إلى غير ذلك من الوثائق الرسمية وغير الرسمية و تزويدها بكل ما من شأنه مساعدة الباحثين في شتى ميادين البحث التاريخي والأدبي والعلمي بجميع مناحيه الدينية والمدنية. كما قرر، يضيف المتحدث،  إبقاء هذه المعلمة مفتوحة ليس فقط في وجه الراغبين في العلم والمعرفة بجميع أصنافها؛ بل أن تكون كذلك مأوى لكل من يريد وضع خزانته الخاصة أو العائلية مهما كانت لغتها عربية أو عجمية رهن تصرف العموم كما قرر رحمه الله فتح فضاء هذه المعلمة في وجه الأنشطة الثقافية الجادة المختلفة من محاضرات و معارض .

يشار إلى أن كلمة اسماعيل العلوي في حق الراحل الحاج عبد الله الصبيحي، امتزجت بمشاعر إنسانية قوية ومؤثرة، لكونه عايش المحتفى به عن قرب، باعتباره والد رفيقة دربه، لكن أيضا بالنظر إلى العلاقة الإنسانية التي كانت تجمع بينهما.

فقد وصف اسماعيل العلوي المبادرة التي أقدمت عليه جمعية سلا المستقبل بشراكة مع الخزانة العلمية الصبيحية، بـ “المبادرة المحمودة” التي تدخل في خانة تكريس “ثقافة الاعتراف”، مؤكدا على أن الجمعية تروم من وراء هذه المبادرة، المساهمة، إلى جانبِ جمعياتٍ جادةٍ أخرى، في الدفع إلى الأمام بمسار التنمية الثقافية لمدينة سلا الضاربة جذورها في التاريخ، كما أنها من خلال هذا العمل الجليل تسعى إلى ترجمة المدلول الصحيح لصيانة التراث الوطني في جميع تجلياته، والذي كان وسيبقى نبراسا دالا على سمو هذا الشعب ورقي وطنه. 

فنن العفاني

Related posts

Top