انسجام الحكومة…

قوة انسجام الأغلبية الحكومية ومتانة تحالفها هي مسألة لا تتصل بالشأن الداخلي للحكومة وحدها، ولا تتعلق بأمر شكلي أو ثانوي لا يهم من هم خارج مكوناتها الحزبية أو غير المساندين لها، ولكن الأمر يعني المجتمع برمته، ويجسد مستوى الثقة والاطمئنان للسير التدبيري العادي للشأن الحكومي.

ولهذا، فإن الخرجة الأخيرة لحزب حكومي، وامتعاضه لضعف تواصل رئيس الحكومة مع وزرائه، تطرح علامة استفهام حول مستوى تدبير شأننا العمومي من طرف الحكومة الحالية.

الآن، عدد من الوزراء يشتكون ضعف تواصل وتفاعل رئيس الحكومة معهم، وقبل ذلك أكدت وقائع ومناسبات برلمانية سابقة عدم انسجام ممثلي الأغلبية وتباين مواقفهم وتقييماتهم، وفي حالات أخرى عديدة يهمس وزراء وبرلمانيون لمقربين منهم هشاشة الانسجام الحكومي، وانتقادهم للعلاقات بين مكونات التحالف الثلاثي، ونقلت وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي ومجالس الحديث المتعددة كثير حالات وأمثلة ووقائع عن ذلك…

هل الوضع العام لبلادنا ومعاناة شعبنا وما يواجهنا من تحديات داخلية وخارجية تسمح إذن بمثل هذا الذي يجري داخل التحالف الحكومي وحواليه؟

يكاد المتابع اليوم يحس كما لو أن تسيير القطاعات الوزارية يجري في جزر معزولة ولا رابط أو انسجام بينها، إن في الموقف أو التصور أو الرؤية أو حتى في التنسيق البسيط بين الوزراء أو في وجود قائد أوركسترا واضح الحضور، ويجسد تنسيق التدبير وانسجامه.

ما نورده هنا لم تعد تقوله قوى المعارضة أو وسائل الإعلام، وإنما صدر هذا الأسبوع عن حزب مشارك في الحكومة ونقل شكوى وامتعاض وزرائه جراء ضعف تفاعل رئيس الحكومة معهم.

كيف يطمئن شعبنا إذن؟

هل سنرى مثلا حزب رئيس الحكومة يتولى إصدار بلاغ وتصريحات للرد على حزب حليف ومشارك في الحكومة؟ هل سيخرج رئيس الحكومة نفسه إلى الرأي العام الوطني ويقدم التوضيحات اللازمة حول انسجام مكونات الحكومة، وذلك لكي يطمئن المغاربة على أن شؤونهم في أيادي أمينة ولا خوف عليها من صراعات أنانية خاوية؟

أم هل ستقر الحكومة أخيرا أن تركيبتها ضعيفة وهشة وغير منسجمة، وأن إمعانها في التغول من البداية هو سبب عقمها وفشلها، وأن التشكيلة الوزارية غابت عنها السياسة والكفاءة الحقيقية والمصداقية؟ ومن ثم ترتب عن الأمر ما يقتضيه المنطق.

المعاني كلها تختل في ظل هذه الحكومة، وبديهيات السياسة أو أخلاقيات المسؤولية لم يعد لها أي اعتبار في الوعي أو في السلوك.

لقد صار عاديا اليوم، مع هذه الحكومة، الرفس بالأرجل على كل حالات التنافي، وبات طبيعيا أن نرى وزيرا حاليا صاحب مشروع تجاري ضخم يستفيد من دعم الدولة، وصرنا نرى أيضا وزيرا يمعن في خرق الدستور والقانون، وبرغم انتقاد بعض الوزراء سرا لسلوكه “البلطجي”، فإن تصوراته ومشاريعه تأتي إلى البرلمان باسم مجلس الحكومة ورئيسه، وتؤيدها الأغلبية…

لقد تدنت السياسة كثيرا مع هذا التحالف الحكومي الثلاثي، وصارت الأغلبية العددية الواسعة في غرفتي البرلمان بمثابة عصا ثقيلة لمنع كل حوار تعددي، ولرفض أي رأي مختلف، ولإغلاق كل أبواب التعاون والتفاعل بين الحكومة والمعارضة، وبالنتيجة، لم يعد الكثيرون يتكلمون أو يعارضون، وبقيت البلاد وقضاياها ومصلحتها حبيسة الرأي الوحيد للحكومة، وأيضا حبيسة صراعات واختلافات وزراء وأحزاب الأغلبية فيما بينها.

كلنا نذكر سياق تشكيل هذه الحكومة وأعطاب واختلالات نشأتها الأولى، ونذكر أيضا كل الكلام الذي كان يطلقه قادة أحزابها وما قدموه للمغاربة حينها من وعود، لكن اليوم الجميع يعيش مؤشرات الفشل كلها، والجميع يلمس معاناة الناس مع الغلاء وصعوبة العيش اليومي، والمعاناة جراء الجفاف والعوامل الخارجية، وكل هذا فشلت حكومتنا في التصدي الناجع له، وفشلت في طمأنة شعبنا والتخفيف من حدة قلقه تجاه المستقبل.

وعلاوة على كل هذا، فشلت حتى في إحداث الانسجام الضروري بين الوزراء وبين أحزاب الأغلبية، وتوسع القلق المجتمعي، تبعا لذلك، حيث شمل أوساط اقتصادية وسياسية قريبة حتى من دوائر الحكومة.

إن مصلحة بلادنا وشعبنا تفرض اليوم وجود تدبير حكومي مختلف، وأن تتوفر للحكومة فعلا الكفاءة التي افتقدتها لحد الآن، وأيضا بعد النظر السياسي والقدرة على فهم المجتمع والتفاعل مع الأحداث والتحولات والمواقف والرؤى.

هل تفاجئنا الحكومة أخيرا وتمتلك العقل والنظر السديد؟ هل يعود للتدبير الحكومي العقل والمنطق وقوة الوعي بأسس دولة القانون والمؤسسات، وأيضا المعنى للتحلي بالمسؤولية والتمثل السليم لدور الحكومة في مغرب اليوم؟

نأمل فعلا أن تدرك هذه الحكومة الدرك الذي أوصلتنا إليه، وأن تمسك بعقلها وتغير الفهم والسلوك والعلاقات والنظر والتدبير.

محتات الرقاص

[email protected]

Related posts

Top