درس من المسيرة الخضراء

يخلد المغرب، اليوم الإثنين، الذكرى الثامنة والأربعين للمسيرة الخضراء، وهي مناسبة يستحضر عبرها المغاربة هذا الحدث غير المسبوق، شكلا وأفقا، ويذكرون ما مثله من تحول كبير في مسلسل استكمال الاستقلال الوطني وتحقيق الوحدة الترابية للمملكة.

المسيرة الخضراء شكلت انتفاضة مغربية قوية حققت تحرير الصحراء من الاحتلال الإسباني واستعادتها إلى حوزة التراب الوطني، وإثر ذلك باشرت المملكة مسلسل البناء والتنمية في أقاليمها الجنوبية إلى أن بلغت ما بلغته اليوم.. كما راكمت البلاد العديد من المكتسبات الديبلوماسية والسياسية والقانونية والميدانية في إطار الدفاع عن وحدتها الترابية وتوطيد مغربية الصحراء، وقدمت، من أجل ذلك، العديد من التضحيات والنضالات على امتداد سنوات وعقود.

الدرس الأساسي من هذا أن المسيرة الخضراء في عام 1975 أسست لمنعطف جوهري كبير في نضال المغرب من أجل استقلاله ووحدته الترابية، وعلى هذا المستوى هناك ما قبل المسيرة وما بعدها .

وفضلا عما سبق، فإن المسيرة الخضراء لم تنحصر آثارها فقط في قضية مغربية الصحراء واستعادة الصحراء من الاحتلال الإسباني، ولكن قوتها ودلالتها أنها أسست لمرحلة سياسية ومجتمعية مختلفة في كامل البلاد، أي أنها مهدت للشروع في بناء المغرب الجديد، وخصوصا على المستوى الديمقراطي والسياسي.

ليس الأمر تكرارا لتعابير مسكوكة أو متحفية، ولم يكن الوضع السياسي الوطني بعد 1975 خطيا ومستقيما وبلا نكسات أو تراجعات، ولكن كل ذلك لا يمنع من القول بأن حدث المسيرة الخضراء وما جسده من زخم وطني وشعبي التف حول الوحدة الترابية للبلاد، ساعد في رسم معالم زمن سياسي جديد يقوم على التوافق، وعلى الشروع في تعزيز مسلسل ديمقراطي يتطور في البلاد.

هذا الدرس الديمقراطي الذي يمثله كل عام تخليد ذكرى المسيرة الخضراء يجب إبرازه بقوة والتمسك به وجعله ممتدا ومستمرا في الحاضر الوطني.

المسيرة الخضراء في 1975 اقترنت بالحديث عن الانفراج السياسي الداخلي والتحفيز على التعددية السياسية والإعلامية، واليوم يجب إعادة استحضار هذه الدلالة المقترنة بالذكرى وتثمينها أيضا.

المسيرة الخضراء هي محطة وطنية أخرى، بعد محطات الحركة الوطنية والنضال المغربي ضد المستعمر، أكدت محورية الجبهة الداخلية الوطنية، والتحام المؤسسة الملكية بالشعب والقوى الوطنية، وضرورة تقوية ذلك، باستمرار،  لتحقيق الانتصارات.

اليوم في العام الثامن والأربعين للمسيرة الخضراء، بلادنا في حاجة كذلك إلى زخم ونفس أجواء التعبئة الوطنية لتنظيم المسيرة الخضراء، أي تعزيز النفس الديمقراطي العام في البلاد وتقوية الانفتاح وتمتين التعددية.

اليوم مختلف القوى الوطنية السياسية والنقابية والحقوقية والشبابية والنسائية والثقافية والإعلامية الجادة وذات المصداقية، مدعوة إلى الوعي بالرهانات والمهام الكبرى المطروحة على البلاد، والحرص على تمتين الجبهة الداخلية الوطنية، وبناء وإحكام البرامج والاختيارات والرؤى التنموية التي تستجيب لانتظارات شعبنا، وتحقق الإنصاف والعدالة الاجتماعية والمجالية والمساواة، وتساهم في تطوير شروط العيش الكريم والتقدم الاقتصادي والاجتماعي لمختلف فئات شعبنا، وذلك في وطن ينعم بالوحدة والأمن والاستقرار.

صحيح أن المسيرة الخضراء أسست، منذ 1975 لمسارات تنموية وتأهيلية داخل الأقاليم الجنوبية ونجحت في تغيير أوضاعها وصورتها العامة بشكل جذري، وصحيح أيضا أن مسارات أخرى، تنموية وديمقراطية ومؤسساتية، شهدها المغرب بكامله منذ ذلك الوقت، وحقق، من خلالها، عديد مؤشرات تقدم في مجالات متنوعة، واليوم هناك كذلك إصلاحات وأوراش متعددة مفتوحة في البلاد ويرعاها جلالة الملك ويتابع مسلسلات إنجازها، ولا يمكن إنكارها في المطلق.

ولكن إنجاح مختلف هذه الديناميات، واستحضار كل التبدلات والمخاطر التي يطرحها الوضع العالمي والإقليمي المعاصر، وأيضا تحقيق تطلعات الشعب المغربي، كل هذا يفرض الانكباب على تفعيل دينامية ديمقراطية ومجتمعية كبرى بمشاركة مختلف القوى الحية في البلاد وكل مكونات الجبهة الداخلية الوطنية، وذلك لتقوية استقرار بلادنا، وتمتين وحدتها، وتطوير جاذبيتها العامة، ومن أجل إنجاح إصلاحاتها الكبرى، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وإعلاميا.

هذا درس أساسي ممتد في حاضرنا ويعني رهانات مستقبلنا الوطني، وتمنحه لنا دروس ودلالات ذكرى المسيرة الخضراء.

  محتات الرقاص

[email protected]

Top