رسالة الملك في ذكرى البرلمان

الرسالة التي وجهها جلالة الملك إلى المشاركين في الندوة المخلدة للذكرى الستين لتأسيس البرلمان مثلت مرافعة سياسية ملكية قوية من أجل لفت انتباه كامل الطبقة السياسية إلى اختلالات المرحلة، وإلى التحديات المطروحة، وإلى ضرورة تغيير الوجهة والمقاربة في السياسة والإصلاح وعمل المؤسسات.
لقد توقفت الرسالة الملكية عند «المقاربة التشاركية»، مبرزة أنها شكلت: «دوما منهجا في بلورة الإصلاحات الكبرى التي شهدتها بلادنا في عدة محطات فاصلة في تاريخنا الحافل بالمنجزات والتطورات الإيجابية»، ثم ذكر جلالته بأساسيات مثل: التعددية والتنوع، التعددية الحزبية، رفض الحزب الوحيد…، وحث على تخليق الحياة البرلمانية من خلال إقرار مدونة للأخلاقيات في المؤسسة التشريعية بمجلسيها، تكون ذات طابع قانوني ملزم…
التنبيه الملكي الواضح، وخصوصا ما اتصل منه بالأخلاقيات والمدونة الملزمة، يعني وجود اختلال أخلاقي حقيقي، ويعني أن ممارستنا الانتخابية الأخيرة قادتنا إلى هذا التردي في التركيبة المنتخبة وفي مستويات النخب البرلمانية…
وبعض ما نتابعه اليوم من أحداث وتحقيقات ومحاكمات تزيد الأمر فضائحية، وتضعه ضمن مؤشرات سقوط أخلاقي مريع يلف حقلنا الانتخابي ونتائج انتخاباتنا الماضية.
الرسالة الملكية تجسد غضب المغاربة جميعهم جراء مسارنا البرلماني في السنوات الثلاث الأخيرة، وأعطاب ما نجم عن ذلك من أغلبيات محلية وجهوية ووطنية، وما أفرزه لنا من تحالف حكومي جر معه كثير تجليات عجز وانعدام كفاءة وسوء تقدير سياسي.
وترتيبا على ذلك، يفرض التنبيه الملكي اليوم الامتثال له والقيام بما يلزم لتجاوز العجز والقصور وكل مظاهر الاختلال، ومن ثم إعادة وضع البلاد على سكة الإصلاح والنهوض وتمثل المقاربة التشاركية، التي شدد عليها جلالة الملك.
الكثيرون نبهوا منذ زمن إلى عجز هذه الحكومة وأغلبيتها، وحذروا من هيمنتها وتغولها المطلقين في كل المفاصل والمستويات المؤسساتية، واستعرضوا تجليات العجز والقصور لديها في التدبير وفي التواصل وفي التقدير السياسي للوقائع والظواهر والقرارات، ولكن اليوم كل هذا الحنق السياسي والشعبي لخصه ملك البلاد في التنبيه إلى عجز أخلاقي يلخص، بدوره، كل الإختلالات والإنتقادات.
البلاد إذن في حاجة إلى السير اليوم على ضوء هذا التنبيه الملكي القوي، وعلى الحكومة وأغلبيتها التفاعل بجدية وسرعة مع توجيهات الرسالة الملكية التي تليت بداخل البرلمان.
اليوم يضاف إلى اختلالات التركيبة وما أفرزته نتائج الانتخابات وتغول الأغلبية والعجز الأخلاقي وغياب المقاربة التشاركية في كامل السلوك الحكومي بكل القطاعات، أيضا ضعف التدبير وانعدام التواصل والافتقار إلى الوضوح والتقدير السياسيين.
نلاحظ هذا في تدبير أزمة التعليم وإضرابات المدرسين، وهو ما يهدد بتمدد الاحتجاج والاحتقان إلى قطاعات أخرى كذلك، ونلاحظ الشيء ذاته في معالجة مشكلات غلاء الأسعار، وأثمنة المحروقات، وإعمال برامج الدعم المباشر والحماية الاجتماعية، ثم في التعاطي مع خروقات تشهدها قطاعات أخرى مثل ما يحدث مع قطاع الصحافة في الفترة الأخيرة، وكل هذا يكشف فعلا عن عجز أخلاقي حقيقي، وعن تدبير عشوائي، صبياني وأرعن، وعندما يقترن كل هذا مع العجز الأخلاقي الذي نبهت إليه الرسالة الملكية أمام البرلمان، فإن الحاجة إلى التغيير تصير أولوية.
يكاد المرء اليوم، وهو يتابع أخبار المحاكمات والتحقيقات الجارية على هذا المستوى أو ذاك، وطنيا وفي الجهات، ولما يعيد قراءة الرسالة الملكية، يتأكد أننا فعلا ابتلينا بتدبير صبياني يفتقر إلى الكفاءة والنضج، وبرعونة فاضحة تميز أسلوب التسيير يغلفها الافتقار إلى الأخلاق.
تستحق بلادنا أحسن مما يجري أمامنا اليوم، والتحديات والمخاطر الواضحة اليوم تفرض إعادة وضع البلاد على سكة الإصلاحات، ووضع حد لرعونة التسيير، وللتغول والانفراد بالقرارات، أي تطبيق توجيهات الرسالة الملكية.

<محتات‭ ‬الرقاص [email protected]

Top