تسود حالة من الهلع والترقب بعدد من الدواوير التابعة لجماعة سيدي عبدالله أوسعيد بإقليم تارودانت، وذلك بسبب انتشار مرض شبيه بداء الحصبة في أوساط الأطفال، متسببا، حسب مصادر من عين المكان، في وفاة ثلاثة أطفال على الأقل وإصابة 20 آخرين. وهو الأمر الذي جعل ساكنة الدواوير تخشى على أطفالها من العدوى ومضاعفاتها، خاصة في ظل معاناة المواطنين في المنطقة من أوضاع الهشاشة والبعد عن الخدمات الصحية.
وارتفعت نداءات الساكنة، منذ أول أمس، مطالبة السلطات الصحية، وعلى رأسها مندوبية وزارة الصحة والحماية الاجتماعية بإقليم تارودانت، من أجل التدخل الفوري لإنقاذ الأطفال سواء منهم الذين ظهرت عليهم الأعراض وتم نقلهم إلى المستشفى الإقليمي المختار السوسي بتارودانت لتلقي العلاج، أو أقرانهم المعرضين لخطر العدوى.
وتتحدث الساكنة عن أعراض مرضية شبيهة بتلك التي تصاحب عدوى مرض الحصبة (بوحمرون)، وعلى رأسها ارتفاع درجة حرارة الجسم والاستفراغ (القيء)، وظهور بثور حمراء في جميع مناطق الجسد واحتقان في العين. ولم يتم التأكد من ظهور أعراض أخرى متعلقة بنفس المرض وهي سيلان الأنف والسعال الجاف والتهاب الحلق.
ولم تتجاوز مدة المرض عند الطفلين المتوفيين أسبوعا بعد ظهور الأعراض حسب إفادات الساكنة. وهي فترة شبيهة بفترة حضانة مرض بوحمرون التي تتراوح بين 7 و18 يوما.
ويعد مرض الحصبة (بوحمرون) مرضا فيروسيا شديد العدوى. وينتشر الفيروس من خلال رذاذ السعال أو لعاب شخص مريض، حيث ينتقل إلى الأشخاص المحيطين به عن طريق استنشاق الهواء أو ملامسة الأسطح الملوثة بالفيروس. ويتجلى خطر المرض في إمكانية تفاقم مضاعفاته التي قد تتراوح بين الإسهال، وارتفاع الالتهابات المختلفة (الأذنين، الشعب الهوائية والرئتين، والسحايا)، وانخفاض صفائح الدم، وقد تصل حتى إلى الوفاة.
وطالب سكان الدواوير المعنية بضرورة اتخاذ السلطات الصحية للإجراءت اللازمة من أجل محاصرة المرض الذي يتهدد أطفالهم، علما أنه يمكن أن ينتشر أيضا بين البالغين. وتتوقف مسألة تفاقم المضاعفات على مدى استفادة الأشخاص المعرضين للإصابة من التلقيحات المسبقة ضد داء الحصبة. كما يرتبط الأمر كذلك بمدى تلقي المصابين للعلاجات الضرورية في الوقت المناسب. وفي هذا الصدد، أبرزت الساكنة أن أهالي الأطفال المصابين واجهوا مشاكل في نقل أبنائهم إلى المستشفى الإقليمي بسبب بعد المسافة وعدم قدرتهم على تحمل تكاليف سيارة الإسعاف.
وفضلا عن السلطات الصحية بإقليم تارودانت، تسائل هاته المعطيات وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، خاصة في ظل التحذيرات التي ما فتئت منظمة الصحة العالمية تطلقها خلال الفترة الأخيرة بسبب ارتفاع معدلات الإصابة بداء الحصبة عبر العالم وانتشاره المطرد في عدد من الدول، مما يهدد بعودة الوباء الذي كانت قد تمت السيطرة عليه بفضل اللقاحات في العقود الماضية. وتعزي المنظمة انتشار المرض مجددا إلى عدم احترام جداول اللقاحات وخاصة خلال فترة جائحة كورنا وما صاحبها من تعذر في الوصول إلى العلاجات الوقائية.
ومبدئيا، يعد المغرب من البلدان التي تمكنت نسبيا من التحكم في مشكل عدم الوصول إلى اللقاحات بفضل جدول التلقيح الذي يعتبر إلزاميا ومجانيا لجميع الأطفال، حيث تفيد الأرقام الرسمية أن نسبة الأطفال الملقحين ضد الأمراض المعدية تتجاوز 95 بالمائة. كما تساهم حملات التلقيح التي تقوم بها السلطات الصحية طوال السنة وعلى امتداد التراب الوطني في حماية الأطفال من الأمراض الخطيرة ومن بينها مرض الحصبة الذي يعد اللقاح المخصص له أساسيا ضمن جدول التلقيح ويتوزع على جرعتين، تتم الاستفادة من الأولى في الشهر السابع من عمر الطفل، فيما يتم تقديم الجرعة الثانية خلال بلوغه السنة.
فهل أصبح المغرب بدوره مهددا بعودة داء (بوحمرون) ومضاعفاته على الساكنة وخاصة في فئة الأطفال؟ وما هي التدابير التي سيتم اتخاذها من أجل الحد من خطر تحوله إلى وباء؟ هذا ما ينتظر من وزارة الصحة أن تجيب عليه بصفة مستعجلة.

< سميرة الشناوي