الدكتورة فاطمة عاريب: العمل المناخي العادل يتطلب الاستماع إلى الشباب ومنحهم فرصة المشاركة

قالت الدكتورة فاطمة عاريب، أستاذة العلوم الاقتصادية وخبيرة في التنمية المستدامة، إن أزمة المناخ لا تؤثر على الجميع بالتساوي، مما يجب معه التفكير في كيفية تحقيق عدالة مناخية من خلال الالتزام بتوفير الدعم والتكيف والتخفيف لسد فجوة التمويل المناخي، تعزيز القدرات والشراكات، وقلب الأنماط الصناعية والتنموية العالمية.
وأضافت الدكتورة عاريب، الملاحظة ومنسقة الاتفاقية الإطار للأمم المتحدة حول التغيرات المناخية بجامعة القاضي عياض مراكش، أن مسألة التمويل في صلب الحلول الإصلاحية من أجل عدالة مناخية، مبؤزة أن العملية تفرض على الأطراف المسؤولة عن انتهاك الحقوق البيئية بدلالاتها الشاملة، تعويض المتضررين من سياساتها وقراراتها.
واعتبرت الدكتورة عاريب، في حوار خاص مع بيان اليوم، على هامش فعاليات “كوب 28 بدبي”، أن كل الاختيارات والاتجاهات التي ستتخذ في السنوات القادمة تشكل اليوم تحديا حقيقيا لمختلف المجتمعات، التي تواجه بشكل متزايد تحديات قدرة الابتكار، مشددة على أن التكوين الأكاديمي من أهم آليات التعبئة وتقوية القدرات في مجال البيئة و التغيرات المناخية.
ووقفت الدكتورة عاريب في حديثها، على أن الشباب حاضر في هذه القمة كسابقاتها، مستطردة: “لكن المشاركة القوية والهادفة للشباب في أعمال مثل هذه اللقاءات تتطلب أكثر من مجرد حضور”.

*اليوم نحن في القمة العالمية 28 للمناخ، إلى أي حد تساهم هذه اللقاءات العالمية في تحقيق العدالة المناخية ؟ وأي سبل لتحقيقها ؟
*اللقاءات العالمية حول الأزمة المناخية ليست جديدة على المجتمع الدولي، والهدف منها هو المساهمة في إيجاد حلول ناجعة للتحديات البيئية المشتركة عموما ولتداعيات تطورات التغير المناخي على الخصوص وذلك من أجل الحد من تأثيراته على مستقبل التنمية في العالم. وفي هذا السياق تنعقد القمة العالمية كوب 28 للمناخ هذه السنة بدبي، والعالم في حاجة ماسة للتحرك السريع والجدي لتحقيق الالتزامات الدولية المتعلقة باتفاق باريس للمناخ واتخاذ إجراءات طموحة للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري وإنهاء أزمة المناخ.
ولقد ركزت عدة مناقشات في لقاءات السنوات الأخيرة على العديد من القضايا والمحاور المعنية وفي صدارتها القضايا المتعلقة بتحقيق العدالة المناخية بالعالم في ضوء ما تتركه التغيرات السلبية المتعلقة بتغير المناخ من تأثيرات على حياة الإنسان وحقوقه، وما للاضطرابات المناخية من آثار أحيانا مدمرة على الفئات الأكثر عرضة للخطر، وفي صدارتها النساء والشباب. والأمل دائما هو الخروج بقرارات حاسمة تسهم في تعزيز العدالة المناخية بالعالم وتعمل على ضمان حماية وتعزيز حقوق جميع البشر بشكل عادل ومتساو.
وبما أن أزمة المناخ لا تؤثر على الجميع بالتساوي، لا بد من التفكير في كيفية تحقيق عدالة مناخية من خلال الالتزام بتوفير الدعم والتكيف والتخفيف لسد فجوة التمويل المناخي، تعزيز القدرات والشراكات، وقلب الأنماط الصناعية والتنموية العالمية.
إن الدول النامية بحاجة إلى 387 مليار دولار سنويا للتكيف مع التغيرات المناخية، وهي تكلفة عالية ليس لهذه البلدان قدرة عليها دون عون خارجي سخي، مما يجعل مسألة التمويل في صلب الحلول الإصلاحية من أجل عدالة مناخية، العملية الذي تفرض على الأطراف المسؤولة عن انتهاك الحقوق البيئية بدلالاتها الشاملة، تعويض المتضررين من سياساتها وقراراتها، ومن وسائل التعويض المقترحة تحويل مديونية الدول الفقيرة إلى تمويل لتأهيلها للاقتصاديات النظيفة.

*تم إحداث صندوق للخسائر والأضرار الناتجة عن التغيرات المناخية، كيف استقبلتم هذا القرار ؟ وإلى أي حد يمكنه التخفيف من آثار التغيرات المناخية؟
*إحداث هذا الصندوق هو مطلب أساسي منذ فترة طويلة من قبل الدول النامية المتأثرة أكثر بأزمة المناخ والتي تتكبد تكاليف الآثار الناجمة عن الظواهر المناخية الشديدة المتزايدة، بما في ذلك الجفاف والفيضانات وارتفاع منسوب مياه البحار.
للتذكير فقد تم اتفاق الأطراف على إنشاء الصندوق السنة الماضية في شرم الشيخ بمصر بعد عدة سنوات من المفاوضات المكثفة خلال مؤتمرات الأمم المتحدة السنوية حول تغير المناخ.
أشير فقط إلى آلية وارسو الدولية المعنية بالخسائر والأضرار، التي تم تبنيها في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالمناخ في 2013 لبدء عملية معالجة المشكلة، والمادة 8 من اتفاق باريس، وهي بند في اتفاق باريس تم اعتماده في2015 لتعزيز آلية وارسو…
بالطبع تبني قرار تنفيذ إنشاء وتشغيل صندوق “الخسائر والأضرار” لتعويض الدول الأكثر تضررا من تغير المناخ في يوم افتتاح كوب 28 له معنى كبير بالنسبة للعدالة المناخية، وهو خطوة جيدة في اتجاه تخفيف التوترات المتعلقة بالتمويل بين دول الشمال والجنوب، ولكنها ليست كافية لأن صندوقا فارغا لا يمكن أن يساعد عدة مجتمعات تسجل خسائر بقيمة مئات المليارات جراء التغير المناخي.
من الواجب الآن تخصيص التمويل اللازم لدعم الصندوق بشكل عاجل وإنجاز عمل متعدد الأطراف طموح وفعال وتقديم مساهمات مالية مهمة من أجل أن ينطلق الصندوق على قواعد صلبة، بالإضافة إلى ذلك فإن الترتيبات المالية والإدارية والمؤسسية مهمة جدا لكن لا تعالج الخسائر والأضرار بشكل شامل.

*تطرقتم في تدخلات عديدة الى دور الشباب في تحقيق أهداف التنمية المستدامة و خصوصا الهدف 13 المتعلق بالتغيرات المناخية، كيف تقيمين مشاركة الشباب في كوب 28؟
*الشباب حاضر في هذه الدورة كسابقاتها. هناك عدة منصات وجلسات حوارية وورش عمل تفاعلية ومسابقات… لكن المشاركة القوية والهادفة للشباب في أعمال مثل هذه اللقاءات تتطلب أكثر من مجرد حضور. العمل المناخي العادل يتطلب الاستماع إلى الشباب ومنحهم فرصة المشاركة من أجل الإسهام في عملية صنع القرار داخل مجتمعاتهم وخصوصا في الدول الهشة.
هذا أمر جد مهم حين نفهم إن التبعات السلبية لتغير المناخ تشكل تهديدا أكبر وعبئا ثقيلا خصوصا على الشباب والأجيال المقبلة، وتعيق في العديد من دول العالم الحصول على الرعاية الصحية أو التعليم، وتلحق الضرر بأنظمة الغذاء والمياه وتؤثر في جودة الهواء. كل هذا يجعل من الشباب باعتبارهم أساس التقدم وقوة مؤثرة وفاعلة، جزءا أساسيا من الحوار والاتفاقيات، ومن المهم أن تكون أصواتهم و طموحاتهم جزءا محوريا من منظومة عمل الاتفاقية الإطار.
كما أن العدالة الاجتماعية تقوم أيضا على احتواء الجميع بشكل فعلي ومساندة الشباب من خلال حشد الدعم للحلول المبنية على آرائهم وقيام كل الجهات الفاعلة بدعم قدراتهم وتنمية قدراتهم وتنمية مهاراتهم وتوفير فرص العمل الخضراء لهم. لذا يجب تمكين الشباب من قيادة التغيير الإيجابي، وتعزيز جهود الابتكار من أجل الإسهام في تحسين سبل العيش والمحافظة على البيئة وهنا تكمن أهمية تكريس دور الشباب في جهود التنمية المستدامة ومواجهة التغير المناخي، إلى جانب إفساح المجال أمام قادة مستقبل الاستدامة لمشاركة أفكارهم وآرائهم وكذلك تعزيز وتنمية روح الابتكار لدى الشباب وصقل المهارات وإيجاد الحلول، ثم تمكين الشباب وتزويدهم بالمهارات والكفاءات اللازمة لقيادة جهود العمل المناخي.

*ونحن نتكلم عن الشباب، أي أهمية للتكوين الأكاديمي خاصة في تخصصات مثل البيئة والمناخ في ظل التحديات المناخية التي يعرفها العالم اليوم ؟ وكيف يمكن أن تساهم هذه التكوينات عبر الخريجين منها في تحقيق الأهداف المرجوة على المستوى الوطني أو الدولي بمجال المناخ ؟
*الكل واع اليوم بالرهانات المتعلقة بالبيئة وتغير المناخ والتي وصل مستواها إلى تهديد حقيقي لبقاء البشرية. كل الاختيارات والاتجاهات التي سنتخذها في السنوات القادمة تشكل اليوم تحديا حقيقيا لمختلف المجتمعات، التي تواجه بشكل متزايد تحديات قدرة الابتكار، الكفاءة الاقتصادية والإدارة البيئية والعدالة الاجتماعية… و في هذا السياق يعتبر التكوين الأكاديمي من أهم آليات التعبئة وتقوية القدرات في مجال البيئة و التغيرات المناخية.
سبق لي أن تحدثت عن ما نقوم به كمثال جامعة القاضي عياض في هذا المجال من خلال مجموعة من التكوينات المهمة من مستوى الإجازة والماستر والدكتوراه في جل مؤسساتها الجامعية بما فيها المتخصصة في العلوم الحية والعلوم الاجتماعية والإنسانية، بشكل يتناسب مع سياسة الجامعة في الانفتاح على القضايا المجتمعية على المستويين الإقليمي والوطني وتماشيا مع الاستراتيجية الوطنية للبيئة والتنمية المستدامة، وجهود المغرب في التحول البيئي ومكافحة آثار تغير المناخ.
ويمكنني أن أعطي مثال بالتكوين الذي أشرف عليه منذ 2014 وهو ماستر “الاقتصاد التطبيقي في البيئة وتغير المناخ” الذي ينطلق من كون البيئة وتغير المناخ يعتبران أيضا مشكلة اقتصادية أساسية ويستجيب للتقاطع العلمي لمفاهيم اقتصاد التنمية المستدامة بشكل عام واقتصاد البيئة والمناخ بشكل خاص.
يجمع التكوين بين الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والقانونية والتقنية للسماح للطلاب بتعميق القضايا البيئية بشكل عام وتلك المرتبطة بتغير المناخ على المستويين الدولي والوطني، وفهم القضايا التي تشكل البيئة والمناخ شعارا لها للتوعية الجماعية والتعبئة. كما يهدف هدا الماستر أساسا إلى تكوين اقتصاديين شباب في مجال البيئة وتغير المناخ، و تمكينهم من فهم التحديات البيئية والمناخية ورؤية ما فعلته البحوث الاقتصادية لمعالجتها. ويتيح لهم كذلك اكتساب الأدوات اللازمة لإجراء التحليلات الاقتصادية والبيئية في مشاريع التنمية المستدامة وتزويدهم بأدوات التحليل وأساليب العمل الجماعي وإدارة المشاريع بناء على المبادئ التأسيسية والقيم الأساسية للتنمية المستدامة وحماية البيئة.

حاورها مبعوث بيان اليوم إلى قمة المناخ بدبي
عبد الصمد ادنيدن

Top