حان الوقت لإنتاج سيارة مغربية مائة بالمائة ولنهج سياسة تصنيعية حقيقية

أكدت مضامين المداخلات والنقاش الذي شهدته الندوة التي نظمها منتدى اقتصاديي التقدم، على ضرورة تعزيز والنهوض بالصناعات التطويرية بدل الاكتفاء بتطوير الصناعات، على اعتبار أن نجاح المغرب في تجربة التصنيع التي يمثلها مصنع رونو بطنجة يعد عنصرا دافعا للانتقال إلى إنتاج سيارة مغربية بالكامل، وكذا الأمر بالنسبة لمنتجات أخرى.
وشددت مضامين مداخلات ونقاشات هذه الندوة التي احتضنها مقر حزب التقدم والاشتراكية بالرباط، مساء يوم الخميس المنصرم، على أن نهج سياسة تصنيع حقيقية بالمغرب والتي تؤدي بشكل أكيد إلى التنمية والتطوير ينبغي أن يعتمد في صياغتها وتنفيذها على عدة ركائز تعد مفاتيح النجاح، أبرزها إرادة قوية من الدولة، وتثمين الرأسمال البشري إناثا وذكورا وإقامة بنيات تحتية حديثة ودعم آليات البحث العلمي والابتكار وتوفير مناخ ملائم يشجع على الاستثمار ويتيح لجميع المقاولات أساسا الصغرى والمتوسطة الولوج إلى الاقتصاد، مع إعطاء العناية اللازمة للشراكة بين القطاعين الخاص والعام .

محمد بنموسى: التنمية وإحداث تحول بنيوي في الاقتصاد سبيلنا لخلق الثروات

وقال محمد بنموسى، رئيس منتدى اقتصاديي التقدم الذي يعتبر من الهيئات الموازية لحزب التقدم والاشتراكية، في كلمة مهد بها لهذه الندوة التي حضرها نبيل بنعبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، ومولاي اسماعيل العلوي، رئيس مجلس رئاسة الحزب ، إلى جانب عدد كبير من مناضلي ومثقفي الحزب، ” إن المنتدى الذي تأسس قبل أشهر هو مؤسسة فكرية تقدمية تنتج وتنشر، وبطريقة جدلية، حلولا سياسية مبتكرة تتسق مع قيم اليسار الحديث والمبتكر، الواعي والمشبع بالخصائص الاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي يتميز بها مغرب اليوم والتحديات التي يواجهها.
والمنتدى يضيف بنموسى، انطلاقا من ذلك وخلال هذه الندوة وندوات أخرى نظمها في السابق وأخرى سيتم برمجتها في القادم من الأيام، يحرص على أن يكون فضاء يساهم في النقاش العمومي حول قضايا أساسية وتجديد الفكر الاقتصادي المغربي. وهو من خلال تيمية هذه الندوة التي تتمحور حول إشكالية التصنيع في المغرب يهدف إلى إغناء النقاش حول مفهوم التحول الهيكلي للاقتصاد المغربي، كما تضمنه منطوق التقرير الخاص بالنموذج التنموي الجديد، والتي يعتبر أن المغرب أمام رهانات كبرى في مجال استراتيجية التنمية الاقتصادية وإنتاج وإعادة توزيع الثروة، وذلك عبر السياسات الضريبية والميزانية والاجتماعية وعناصر أخرى.
واختار رئيس منتدى اقتصاديي التقدم في هذا الصدد التذكير بعناصر تمكن من تجاوز مختلف الاختلالات التي تطبع القطاع الاقتصادي وتحول دون تحقيق التنمية، حيث ذكر في هذا الصدد بمضامين التقرير الخاص بالنموذج التنموي الذي جاءت الإشارة فيه على ” أن خلق االثروة يعني قبل كل شيء النمو والتحول الهيكلي للاقتصاد من خلال تنفيذ عدد معين من السياسات العمومية المحددة في النموذج التنموي الجديد. وهي وفقا لهذا الأخير القيام بعدة إصلاحات تشمل محاربة و تهديم اقتصاد الريع والقيام بإصلاح النظام الضريبي، وإصلاح القطاع البنكي ، فضلا عن إصلاح قانون المنافسة، وتمكين المقاولات الصغرى والمتوسطة من ولوج القطاع الاقتصادي في ظل شروط توفر الحرية والعدالة “.
وأردف المتحدث مضيفا” أن الأمر يتعلق بإجراء سلسلة كاملة من الإصلاحات الأخرى، تستهدف النهوض بالمبادرة الخاصة، وتأسيس المقاولات الصغرى والمتوسطة، وتنمية الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، وتسهيل ولوج الجميع إلى الصفقات العمومية بشفافية كاملة.

مختار حمان: مشروع “رونو طنجة” مكن من تحقيق نمو غير مسبوق لصناعة السيارات

وفي تدخله، قدم مختار حمان، وهو خبير دولي والكاتب العام التنفيذي لمشروع معمل رونو بطنجة، في هذا اللقاء الذي أداره عبد الأحد الفاسي الفهري، عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ، مضامين ملخص عن بحث قام يه يتعلق بمسألة تحديث المغرب في الفترة الممتدة بين سنوات، “1860-1894” مقارنة مع المعجزة اليابانية عن نفس الفترة ، فضلا عن استعراض تجربته المهنية كأحد المسؤولين الرئيسيين بمشروع رونو –نيسات بطنجة بين سنوات 2009 و2012،
وقال إنه حاول الوقوف، عند تحليله لعناصر البحث الذي قام به حول المغرب والذي تمحور حول الفترة من نهاية القرن التاسع عشر، ومقارنتها مع اليابان لنفس الفترة، على العوامل التي أدت إلى فقدان المغرب لاستقلاله وعدم قدرة البلاد على تحقيق الازدهار كما حدث في اليابان.
وأيرز أن المغرب حاول القيام بإصلاحات همت الجيش وغيره، لكن محاولته إجراء إصلاحات أخرى والتي اختار فيها الاعتماد على أشخاص قادمين من بلدان كانت تبحث على استعماره، اعترضها هؤلاء الأشخاص الذين بذلوا كل ما في وسعهم لعرقلة كل المبادرات الإصلاحية، على عكس اليابان الذي اختار أن يقوم بالإصلاح عبر توظيف مختصين بناء على عقد، وهذا مكنها من تحقيق نهضتها وتحقيق الازدهار.
وأوضح بالنسبة للتجربة الصناعية، فهي تفرز بعض الدروس حول التطورات الراهنة، حيث ينبغي التأكيد على الأهمية التي تكتسيها للرأسمال المغربي مسألة أن تكون أكثر ديناميكية وحاضرا في مختلف المشاريع التنموية في البلاد، وبالأخص المشاريع ذات الطابع الصناعي.
وأشار عند استعراضه لتجربة صناعة السيارات، على أنها تعتمد على التزامات مختلف المخططات الصناعية، التي مكنت من صعود قوي لصناعة السيارات بشكل سريع وفعال بالمغرب مما جعله رائدا في المجال على مستوى قارة إفريقيا، واستطرد في المقابل أن أنه رغم اذلك فإن الأداء الصناعي لهذا الفرع وقيمته المضافة لا يزالان منخفضين.
وحذر ملفتا إلى أن الرأسمال الأجنبي الذي دخل بقوة لهذه الصناعات يحمل مخاطر يجب أخذها بعين الاعتبار، مشيرا مع ذلك أن تجربة مصنع رونو نيسان بطنجة والتي عاشها هو كمسؤول من الداخل بين سنوات “2008 و2012″، تعد مشروعا ناجحا حيث اتسمت بتوفير ظروف عمل ملائمة تعتمد على احترام مدونة الشغل وأجور جاذبة وتنافسية، وحوافز اجتماعية إيجابية .
وأبرز أن ظروف العمل هذه التي تم نهجها وفق المعايير الأوروبية كانت عنصر اطمئنان ، فضلا أن المغرب عمل على إحداث منذ انطلاق المشروع معهدا متخصصا وهو معهد التكوين في المهن الخاصة بصناعة السيارات، وذلك كمبادرة تمكن من تحسين القدرة القدرة التنافسية لقطاع السيارات المغربي وتمكينه من عناصر تضمن تطوره على المدى البعيد، فضلا عن إتاحة الإمكانية للتدريب في بلدان أروبية لفائدة الأشخاص الذين سيعملون في مهن معقدة للغاية.
ولم يفت المسؤول السابق بمصنع رونو أن يعدد عناصر نجاح التجربة التي من بينها اعتماد الشراكة بين القطاعين الخاص والعام، والتي كانت مؤسسة على قاعدة رابح رابح، بالنسبة للمغرب ولمجموعة رونو، مع توفير غلاف مالي مهم، حيث عمل المغرب سنة 2009 على تقديم دعم مالي محترم ، مما مكن الشركة من الوفاء بالتزاماتها، كما تم الاستثمار بشكل مكثف في التكوين وجودة المصنع، والتي تعد عنوانا للتطور.
ومن بين عناصر النجاح أيضا، يشير المسؤول السابق بمصنع رونو –نيسان بطنجة، إلى الحضور القوي للأطر والعاملين من جنس الإناث والذي كان أمرا إيجابيا لفائدة المشروع بل كانت مساهمتهن عنصر نجاح كبير لهذا المشروع على مستوى الموارد البشرية ، مشيرا أن النساء شكلن ما بين 20 و25 في المائة من الموارد البشرية للمصنع، كما كان عليه الأمر بفرنسا”.
وحرص المختار حمان على التأكيد على الكفاءة العالية التي تحلت بها المفاوضين المغاربة خلال مسار وضع المشروع وانطلاقه، وعلى القدرة الفائقة للأطر واليد العاملة المغربية على حيازة المعرفة والتعلم تدريجيا داخل المصنع.

عدنان لمدور: حان الوقت حان للنهوض بالصناعات التنموية

ومن جانبه، أكد عدنان لم الوقت حان للمغرب أن ينهض بالصناعات التنموية بدل الاقتصار على تطوير الصناعات والانتقال بذلك إلى إنتاج بشكل كامل لسيارة مغربية دور، مهندس خريج المدرسة المركزية بباريس، وخبير مساعد بالبنك الدولي سابقا، أن الوقت حان للمغرب أن ينهض بالصناعات التنموية بدل الاقتصار على تطوير الصناعات والانتقال بذلك إلى إنتاج بشكل كامل لسيارة مغربية ، وذلك بناء على تجربة رونو، وقال عند استعراض تجربته كرجل أعمال، حيث اختار تقديم استقالته من البنك الدولي والعودة للوطن والعمل في بعض المؤسسات ليقدم على إنشاء مصنع في مجال التلفيف، ويحقق استحواذا على السوق بنسبة 90 في المائة.
وعدد في هذا الصدد من وجهة نظره عناصر نجاح المشاريع الصناعية ، من بينها حماية القطاع ، وهو ما قام به بالنسبة لمجال عمله حيث ترافع من أجل زيادة الرسوم الجمركية وهو ما تحقق حيث تم الرفع منها إلى 65% على الواردات من المنتجات المستخدمة في هذا المجال، مردفا وفق قوله، “إذا لم يتم اتخاذ التدابير اللازمة لضمان وحماية السيادة الصناعية، فإن العديد من المؤسسات الصناعية ستغلق أبوابها نتيجة المنافسة الأجنبية”
وأوضح أن الاستثمار بشكل كبير في الصناعات التي عفا عليها الزمن لايكفي، و يجب على الدولة الاستثمار في صناعة التنمية والتطوير، أما تطوير الصناعة فلا بد من ربطه في مكان ما بصناعة التطوير، كما أنه لا بد من استيعاب كل تنمية صناعية في سياسة التنمية، لأنه إذا لم تكن لسياسة التصنيع أهداف اجتماعية واقتصادية وراءها، فإنها لن تنجح، وفق تعبير المتحدث.
وأردف أن دور الدولة يتمثل في فهم وتقييم ووضع تنمية وتطوير الصناعات ملفتا أن تجربة مصنع رونو بطنجة مشروع استثنائي، وأن ما يمكن انتقاده يتعلق بالأحرى بتكلفته بالنسبة للمغرب، حيث قد يكون قد كلف المغرب أكثر بكثير من فرنسا.

< فنن العفاني
تصوير: رضوان موسى

Top