رباط الفتح تقدم كتاب “ليوطي ومولاي يوسف قصة صداقة بناءة” لكاتبه هوبير سايان

أشرفت جمعية “رباط الفتح” الجمعة الماضي بالرباط على تنظيم حفل توقيع خاص بكتاب “ليوطي ومولاي يوسف: قصة صداقة بناءة” لكاتبه الفرنسي هوبير سايان، الذي يشتغل محاميا ومراقبا دوليا في عدد من القضايا، من ضمنها عمله كمراقب دولي خلال محاكمة اكديم إزيك.
اللقاء الذي احتضنته المكتبة الوطنية بالرباط الجمعة الماضي توقف عند أهم ماء جاء به الكتاب الذي أعاد، حسب مسير اللقاء رئيس جمعية رباط الفتح عبد الكريم بناني، نسج خيوط الماضي والعلاقة الكبيرة التي جمعت بين الملك مولاي يوسف وليوطي أول مقيم عام لفرنسا بالمغرب.
وعاد عبد الكريم بناني في كلمته، التي قدم فيها الكتاب ومؤلفه هوبير سايان، إلى الحديث عن سيرة المؤلف الذي قال إنه صديق عظيم للمغرب، وله سجل حافل في عدد من المحطات التاريخية التي خلدها في كتبه، ومنها مؤلفات خاصة بالصحراء المغربية، خصوصا خلال فترة عمله كمراقب دولي خلال محاكمة اكديم إزيك، والذي خلده في عمل إصدار يحمل عنوان
«Le Politique contre le droit. Le Sahara, les droits de l’homme et le procès de Gdeim Izik».
كما لفت بناني إلى أن الكاتب الفرنسي سايان احتفى بالصحراء من خلال زيارته للأقاليم الجنوبية للمملكة قبل حوالي 12 سنة، حيث أصدر حولها كتابا يحمل عنوان « الصحراء المغربية: الفضاء والزمان»، « le Sahara Marocain : l’espace et le temps».
وذكر بناني أنه في إطار أنشطته الرامية إلى الدفاع عن الوحدة الترابية للمغرب، أنشأ الكاتب والمحامي الفرنسي سايان «مؤسسة فرنسا – المغرب من أجل السلم والتنمية المستدامة» والتي لها إسهامات كثيرة حول القضايا المشتركة للبلدين وما يهم القضايا الأساسية للمغرب وفي مقدمتها قضية الصحراء المغربية، وهو الأمر الذي جعل رئيس جمعية رباط الفتح يقول إن المحامي هوبير سايان، محامي الحرية والسلام والتفاهم، والذي راكم عدة إصدارات هامة في تاريخ المغرب والتي آخرها مؤلفه “ليوطي ومولاي يوسف، قصة صداقة بناءة”، Lyautey et Moulay Youssef, l’histoire d’une amitié” constructive”.
وحول هذا المؤلف، أكد بناني أن الكتاب جاء ليتحدث عن حقبة مهمة في تاريخ المغرب، وليتحدث عن علاقة خاصة جمعت ملك المغرب مع المقيم العام الفرنسي الأول، والتي استمرت بعد ذلك، بالرغم من انتهاء مهامه كمقيم عام بالمغرب.
وأوضح بناني أن البعض قد يتسائل لماذا ليوطي؟، مردفا أن الأمر يعود إلى الرمزية التاريخية وإلى ما تركه ليوطي من إسهامات ما زالت حاضرة إلى اليوم في المغرب الحديث، إذ أشار إلى أن الوقوف في منطقة “الكزا” في المدينة العتيقة بالرباط، يطل على شارع محمد الخامس، والتي أنشأها ليوطي وسماها “طريق دار المخزن” في دلالة إلى كونها طريقا تؤدي مباشرة إلى القصر الملكي وسط العاصمة.
وقال رئيس جمعية رباط الفتح إن ليوطي، وعندما حل في المغرب بعد معاهدة الحماية في مارس 1912، كان من المؤكد أنه مطالب بإنجاز مهمته كأول جنرال مقيم في المغرب (1912-1925)، وتنزيل رؤية فرنسا، لكن هذا لا يعني، حسب المتحدث، أنه كان عليه إجراء مسح شامل لكل شيء، أي طمس الماضي والتخلص من أفكاره، مبرزا أن ليوطي قرر على عكس ذلك العمل يدا بيد مع السلطان مولاي يوسف في تطبيق أحكام معاهدة الحماية بهدف الحفاظ على هوية المغرب وتحديثها.
ويرى بناني على أن ليوطي أسهم في رسم معالم مغرب اليوم من خلال سياسة التحديث وعمله على النهوض بالتعليم، حيث قال إنه أعطى أولوية للتعليم من خلال توظيفه 90 بالمائة من الأساتذة بثانوية مولاي يوسف والذين كانوا جميعهم من الجنسية الفرنسية، ومن المتخرجين. إذ خلص المتحدث، وفق تعبيره، إلى أن “ليوطي سعى إلى جلب الأفضل للمغرب”.
من جانبه، قال هوبير سايان هوبير إن كتابه Lyautey et Moulay Youssef, l’histoire d’une amitié constructive، هو تكريم للعمل المنجز خلال السنوات الأولى من الحماية الفرنسية.
وأضاف الكاتب والمحامي الفرنسي الذي استعرض محتويات إصداره الجديد حول عمل ليوطي في المغرب والصداقة التي جمعته مع مولاي يوسف، أن هناك حاجة لتأريخ تلك المرحلة الغنية التي جمعت المغرب وفرنسا والصداقة البناءة التي جمعت بين الملك والجنرال الفرنسي حينها.
وأشار هوبير سايان إلى أن كتابه الجديد ليس سيرة ذاتية ولا حتى كتاب “تاريخ”، كما لا يؤرخ بالمعنى الحرفي للكلمة لفترة تاريخية معينة، بل يتضمن قصصا مختلفة عن شخصيتين بارزتين وهما السلطان المغربي مولاي يوسف والجنرال الفرنسي ليوطي.
وقال سايان إن الكتاب يحتوي على العديد من القصص دون أن يدعي أنه عمل مؤرخ، بل يقترب من كونه بحثا يراد من خلاله تكريم ليوطي “الملكي” الذي تشبع بقيم الملكية في علاقة خاصة جمعته مع الملك مولاي يوسف والتي ظلت علاقة صداقة مثمرة ومتواصلة.
وأوضح سايان أن عمل ليوطي كان منفردا، كأول مقيم عام بالمغرب، حيث كان مطلوبا منه احترام معاهدة الحماية، وفي نفس الوقت كانت مهمته أيضا الحفاظ على السيادة واستعادة النظام وتعزيز مؤسسات البلاد وتحديثها.
كما يرى سايان أن ليوطي كان مطالبا كذلك بأن يؤسس المغرب على أسس متينة، من خلال إطلاق سلسلة كاملة من المشاريع، أولها ميناء الدار البيضاء، مشيرا إلى أنه وصل إلى المغرب سنة 1912، حيث حط بمدينة الدار البيضاء قبل أن يضطر لاحقا للذهاب إلى فاس للقاء السلطان مولاي حفيظ.
وعاد سايان للحديث عن الاستراتيجية التي اعتمدتها فرنسا في فترة الحماية والتي شملت بلدانا عديدة منها المغرب والجزائر وبلدان أخرى، والتي كانت تعتمد على نموذج توسعي استيطاني عكس الاستعمار الذي أطلقته بريطانيا تحت مسمى “الانتداب” أو الاستعمار المضاد.
وأوضح الكاتب أن الجنرال ليوطي كان يعتمد على سياسة توسعية شبيهة بتكوين الامبراطوريات من خلال مجموعة من الأقاليم والدولة التي أصبحت تابعة لفرنسا، حيث وضع لذلك مجموعة من الآليات، من ضمنها آلية خاصة بالتعليم، وتطويره، إذ رفض على سبيل المثال التعليم باللغة العربية في المغرب وعمل على تحويله إلى الفرنسية بالاعتماد على أساتذة فرنسيين، ونفس الأمر بالنسبة لمختلف قطاعات الدولة التي كانت تقبع تحت الحماية الفرنسية.
وعاد المتحدث للإشارة إلى زيارة ليوطي إلى الجزائر، ثم إلى مدغشقر، إذ أوضح سايان أن الجنرال كان يؤيد اتباع نهج لامركزي تجاه الدولة مثل الإمبراطورية النمساوية المجرية. فلتحويل فكرته إلى واقع، قام بتطوير عقيدة كاملة حول فكرته عن “بقعة الزيت”، والتي طبقها في جهوده الرامية إلى الترويج لكل بلد وإطلاق مشاريع اقتصادية به وتغيير نمط تعليمه.
يرى المحامي والكاتب الفرنسي أن نهج ليوطي كان مخالفا عن نهج الاستعمار الإسباني، حيث أن ليوطي بالرغم من كل شيء ترك إرثا متواجدا في المغرب، كما أن اللمسة الفرنسية حاضرة في كثير من المناطق التي كانت تحت الحماية الفرنسية، وذلك عكس إسبانيا التي بخروجها من الصحراء المغربية في سنة 1975 لم تترك خلفها أي شيء يذكر، يقول المتحدث بناء على جولة قام بها إلى مدينة العيون بعد خروج إسبانيا منها.
وقال إنه في نهاية جهود ليوطي بالمغرب لم تعد البلاد عليها ديون، كما كان الحال قبل معاهدة الحماية التي شهدت اضطرابات كثيرة نتيجة العولمة وما أطلقته إنكلترا على مستوى الاقتصاد العالمي التي أدت إلى مشاكل اقتصادية كبيرة للمغرب وانهيار كبير لاقتصاد مقابل كثرة الديون.
وزاد سايان أن العلاقة بين ملك المغرب والمقيم العام الفرنسي أدت إلى كثير من المتغيرات وشهدت كثيرا من الأحداث منها الإعلان عن مسجد “باريس” عام 1920، لتستمر بعد ذلك العلاقة إلى ما بعد استقالة ليوطي في 1925.
وتابع الكاتب الفرنسي في تقديم كتابه أنه بعد استقالته عام 1925، دفع المارشال ليوطي ثمن تذكرة سفره من جيبه الخاص للذهاب إلى منزله في فرنسا حيث أصر مولاي يوسف على زيارته في مناسبات عديدة بصحبة ابنه محمد الخامس، سلطان المغرب المستقبلي حينها.
كما لفت المتحدث إلى حرص الملك الراحل محمد الخامس خلال فترة حكمه على زيارة ليوطي في فرنسا برفقة وريث العرش العلوي حينها الملك الراحل الحسن الثاني. مشيرا إلى أنه بفضل هذه الصداقة قرر المغرب الدخول في الحرب ضد ألمانيا ورفض تطبيق قوانين فيشي. وذلك إبان الحرب العالمية الثانية.
وذكر الكاتب الفرنسي سايان، في هذا الصدد، بإشادة الجنرال ديغول في خطابه بعد نهاية الحرب العالمية وتحرير فرنسا سنة 1945 بالمرحوم صاحب الجلالة محمد الخامس، الذي قال المتحدث إنه بالرغم من كل ذلك كان للأسف ضحية انقلاب سنة 1953، الذي أدى إلى إقالته كملك للبلاد ونفيه إلى مدغشقر.
وبالرغم مما جرى وما تعرض له الملك الراحل محمد الخامس، إلا أنه حسب الكاتب والمحامي الفرنسي، وافق بعد الاستقلال على استئناف علاقات المغرب مع فرنسا، التي واصلت تطويرها وتنوعها منذ عودته إلى البلاد سنة 1956، ثم بعد عهده، تحت قيادة الملك الراحل الحسن الثاني، وفي العهد الجديد مرة أخرى، بمبادرة من جلالة الملك محمد السادس.
يشار إلى أن اللقاء، عرف نقاشا واسعا من قبل عدد من الأساتذة والباحثين والمهتمين بالتاريخ، وذلك بحضور دبلوماسيين مغاربة وأجانب وكتاب ومثقفين ووجوه من عالم الثقافة والفن والسياسة والأدب والعمل الجمعوي، والتي أسهمت بدورها في النقاش العام بعد تقديم قراءة في الكتاب من قبل مؤلفه ومن قبل المشرف على اللقاء عبد الكريم بناني رئيس جمعية رباط الفتح للتنمية المستديمة.

بيان اليوم

Top