سياسيون وفاعلون حقوقيون وجمعويون يضعون الأصبع على مكامن الخلل في مدونة الأسرة

تعتبر مدونة الأسرة في نظر، شرفات أفيلال عضو الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، المنسقة الوطنية لمنتدى المناصفة والمساواة، قانونا محوريا له امتدادات وتقاطعات مع قوانين أخرى كالقانون الجنائي وقانون الحالة المدنية وقانون الجنسية، وقانون الأطفال في وضعية كفالة وكذا قانون الالتزامات والعقود.
وأوضحت شرفات أفيلال، في مداخلة لها، خلال ندوة نظمتها التنسيقية الإقليمية لمنتدى المناصفة والمساواة بالقنيطرة، أول أمس السبت، بمقر نادي هيئة المحامين، أن كل تلك القوانين تنهل من فلسفلة قانون الأسرة، فإذا كرس هذا الأخير مبدأ المساواة ستنعكس على مجموع القوانين الأخرى، والعكس صحيح.

شرفات أفيلال: الحاجة ماسة إلى إجراء إصلاح عميق وشمولي لمدونة الأسرة لاعتبارات موضوعية

وأضافت الوزيرة السابقة، أن مدونة الأسرة لها إسقاطات على السياسات العمومية التي يفترض أن تكرس المساواة التي أقرها الدستور المغربي، مشيرة في السياق ذاته، إلى ورش الحماية الاجتماعية، الذي يتعين أن يصحح الاختلالات التي كشفت عنها تجربة “كوفيد 19” حيث ظهر أن هناك آباء مهملين لأسرهم واستفادوا من الدعم، في الوقت الذي حرمت فيه العديد من النساء المعيلات لأبنائهن من هذا الدعم بمبرر أن رب الأسرة هو من يستفيد.
إلى ذلك، شددت شرفات أفيلال على الحاجة إلى إجراء إصلاح عميق وشمولي لمدونة الأسرة، لاعتبارات موضوعية من أبرزها أن الفترة التي اعتمد فيها المغرب المدونة الحالية سنة 2004، لم يكن آنذاك معتمدا لدستور 2011، وبالتالي المنطلق الأساسي بالنسبة لحزب التقدم والاشتراكية، ولعموم المغاربة، تضيف المتحدثة، هو أن المغرب اعتمد دستورا جديدا سنة 2011، وأن هذا الدستور في ديباجته يؤكد على أن المغرب يطمح إلى بناء دولة ديمقراطية يسودها الحق والقانون وعلى إرساء دعائم مجتمع متضامن يتمتع فيه الجميع بالحرية والكرامة والمساواة وتكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية وعلى التشبث بمنظومة حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا وحمايتها ومراعاة طابعها الكوني وعدم قابليتها للتجزيء وعلى حظر ومكافحة كل أشكال التمييز بما فيه التمييز بسبب الجنس أو المعتقد وعلى الالتزام بما تقتضيه المواثيق الدولية وجعل الاتفاقيات الدولية كما صادق عليها المغرب تسمو على التشريعات الوطنية.
وقالت القيادية في حزب التقدم والاشتراكية “إن كل ذلك يفرض ملاءمة قانون الأسرة مع القانون الأسمى للبلاد، ومع المواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب، وفي مقدمتها الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة” مشيرة إلى أن منطلق حزب التقدم والاشتراكية في الدعوة إلى إصلاح مدونة الأسرة يستند على مرجعية دستور 2011، وعلى الحقوق الكونية بما يُمكن من إفراز مدونة جديدة تنسجم فعلاً مع الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب.
إلى ذلك، ذهبت المنسقة الوطنية لمنتدى المناصفة والمساواة، إلى التأكيد على أن حزب التقدم والاشتراكية الذي يعمل في إطار الدستور ويُنادي من أجل التفعيل الأمثل لمضامينه المتقدمة، يحمل، منذ نشأته، مشروعا فكريا وسياسيا تُشكّل فيه المساواة قيمة إنسانية، إلى جانب كونها قضية حقوقية وديمقراطية ورهانا للعدالة الاجتماعية والتنمية والتقدم.

نزهة العلوي: ضرورة تغيير المدونة على مستوى الشكل كما على مستوى المضمون

من جانبها، وقفت الفاعلة الحقوقية والجمعوية الأستاذة نزهة العلوي المحامية بهيئة القنيطرة، على مجموعة من الإختلالات التي تعتري المدونة الحالية، في مقدمتها تلك المتعلقة بإثبات النسب بالنسبة للأطفال، حيث تنص المدونة على أن البنوة هي شرعية بالنسبة للأم، بغض النظر عن العلاقة التي نتج عنها ذلك الطفل، لكن بالنسبة للأب لا يمكن أن تكون شرعية إلا إذا كانت في إطار مؤسسة الزواج، وبالإثبات إذا كانت الولادة في فترة الخطبة.
ومن بين الاختلالات التي تطرقت لها المحامية والفاعلة الحقوقية، صعوبة التطبيق في قضايا النفقة، حيث أن المدونة تحدد آجال البث في النفقة داخل شهر واحد، لكن الواقع، تضيف نزهة العلوي، لم يثبت أن المحكمة بثت في آجال شهر وذلك بالنظر إلى تعقيد المساطر، وطولها سواء تعلق الأمر، بحق الدفاع أو مسطرة التوصل والاستدعاء.
كما أشارت نزهة العلوي إلى الغموض الذي يعتري المادة 49 من المدونة المتعلقة باقتسام الممتلكات المكتسبة خلال فترة الزواج، مشيرة إلى أن المشرع لم يراع حقوق المرأة، خاصة ربات البيوت اللواتي لا يتوفرن على حماية اجتماعية، حيث أنه عندما تنتهي العلاقة الزوجية يتخلى المشرع عنها إذ يطالبها في هذا الإطار بوسائل إثبات قانونية كالتحويلات البنكية أو الشهود، مشيرة إلى أن الصيغة التي جاء بها النص، لا يمكن للنساء الاستفادة من المادة 49.


وبخصوص تزويج الطفلات القاصرات والتي تبيحه المدونة عن طريق الاستثناء والإذن القضائي الغير قابل للطعن بأية وسيلة من الوسائل، فيه حيف وخرق صارخ لحقوق الأطفال، في نظر نزهة العلوي، التي شددت على ضرورة حصر سنة الزواج في 18 سنة دون ترك المجال لأي استثناء.
كما طالبت نزهة العلوي، خلال هذه الندوة التي أدارها، الأستاذ الجامعي محمد الطيبي عضو اللجنة المركزية لحزب التقدم والاشتراكية، (طالبت) بحصر الطلاق في الطلاق الاتفاقي والطلاق للشقاق وحذف باقي الأنواع الأخرى، وطالبت بحذف المادة 400 من المدونة التي تسمح للقاضي بالاجتهاد داخل بنية العقلية التقليدية، وتنقية المدونة من بعض المفاهيم والمصطلحات الحاطة من كرامة المرأة مثل المتعة، والبناء وغيرها، مؤكدة على ضرورة تغيير المدونة بشكل جدري وشامل على مستوى الشكل كما على مستوى المضمون بما يضمن حقوق النساء والأطفال والرجال في إطار العدل والمساواة.

نادية التهامي: حزب الكتاب قدم مقترحات ترمي تحقيق المساواة وضمان حقوق المرأة والطفل والرجل على حد سواء

بدورها، ركزت نائبة رئيس المجلس النواب نادية التهامي عضوة الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، على أهم المقترحات التي قدمها حزب الكتاب فيما يخص إصلاح مدونة الأسرة، مشيرة إلى أن حزبها قدم 16 مقترحا، يرى أنها حيوية وجوهرية ومن شأنها أن تساهم في تحقيق المساواة وتضمن حقوق المرأة والطفل والرجل على حد سواء، وتستوعب التحولات الكبرى التي عرفتها بينة الأسرة والمجتمع المغربي.
ومن أبرز المقترحات التي أوردتها نادية التهامي العضوة بالمكتب التنفيذي لمنتدى المناصفة والمساواة، التأكيد على منع وتجريم تزويج القاصرات والقاصرين، مشيرة إلى استفحال ظاهرة تزويج القاصرات وبلوغها مستويات قياسية وجد مقلقة حسب الإحصائيات المعلن عنها رسميا، والتي تسير في اتجاه معاكس للتحولات المجتمعية، وتعكس انتهاكا صارخا لحقوق الطفل وتجاهلا لمصلحته الفضلى بشكل تعسفي وواسع، وتهدد استقرار الأسر وتوازنها، مؤكدة على أنه بات من المستعجل والضروري إلغاء الاستثناء قطعيا ونهائيا، وذلك بإقرار 18 سنة كسن الأهلية لزواج المرأة والرجل، دون أي مقتضيات استثنائية تصير قاعدة أو مصدراً للتحايل، مشيرة في هذا السياق إلى مقترح قانون الذي تقدم به فريق حزب التقدم والاشتراكية بمجلس النواب والذي يقضي بضرورة نسخ المادتين 20 و21 من المدونة من أجل منع الاستثناء.
كما طالب حزب التقدم والاشتراكية، تقول نادية التهامي بإلغاء ومنع تعدد الزوجات، بشكل نهائي ومطلق، على اعتبار أنه يجسد أحد أسوأ أشكال التمييز والعنف القانوني ضد المرأة، ويحط من كرامتها وإنسانيتها، ويكرس مظهرا من مظاهر الاستعباد في صيغة جديدة، ويضرب في العمق كل المقتضيات المتعلقة بالمساواة بين الرجل والمرأة.
وبالنسبة لتدبير الممتلكات المكتسبة خلال فترة الزواج تقول عضوة الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية “إن الحزب يقترح ضمان حقوق كل من الزوجة والزوج في حالتي الطلاق والوفاة على نحو اختياري، من خلال جعل وثيقة تدبير الأموال المكتسبة أثناء قيام الزواج من الوثائق الإلزامية لاستكمال ملف طلب الزواج، حتى يكون الزوجان على علم بها مسبقا ويعملا على اختيار ما يناسبهما قبل عقد الزواج وليس حين عقده”، مشيرة إلى أنه في حال لم يحصل أي اتفاق، فيتعين بحسبها، حفظ حقوق الزوجة التي لا تشتغل خارج البيت على وجه الخصوص، سواء عند الطلاق أو عند وفاة الزوج بالحرص على تقييم العمل المنزلي وكل أعمال الرعاية التي يتعين اعتبارها مساهمة في تكوين الأموال المكتسبة خلال فترة الزواج، وذلك بالأخذ بمبدأ الكد والسعاية.

عبد العالي الصافي: القاعدة القانونية المجردة والعامة والإلزامية ليست مهمة إلا إذا لبت احتياجا مجتمعيا ما

وفي موضوع مدونة الأسرة وحماية المصلحة الفضلى للطفل، أكد الأستاذ عبد العالي الصافي محام بهيئة القنيطرة عضو المجلس الوطني لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وكاتب فرع المنظمة المغربية لحقوق الإنسان بالقنيطرة (أكد) على أن المشرع يسن النص القانوني من أجل الإجابة عن احتياجات مجتمعية، وهو بذلك يسن من طرف من يمثل المجتمع من أجل هذا المجتمع، و بالتالي، يضيف المتحدث، فإن القاعدة القانونية المجردة والعامة والإلزامية ليست مهمة إلا بما تمثله لهذا المجتمع و بارتباطها به، وما إذا كانت قد أجابت عن توتر معين أو لبت احتياجا ما، أو عالجت أو نظمت مجالا معينا.
وتساءل عبد العالي الصافي،عن عدم قدرة المشرع المغربي على إدماج بعض مبادئ اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989، وعن السبب في فشل بعض نصوص المدونة، خصوصا تلك المتعلقة بالمصلحة الفضلى للطفل،على مستوى التطبيق في تغيير سلوكات وربما تطبعات لدى فئة عريضة من المغاربة؟.
وفي نظر القيادي الاتحادي، فإن المادة 20 من المدونة أفرغت المادة 19 من محتواها، بل وحدت من خاصيات القاعدة القانونية التي يجب أن تستجيب للعمومية و التجرد، على اعتبار، يضيف عبد العالي الصافي، أن المشرع لم يستطع أن يبقي على عمومية وتجرد المادة 19 فجاءت المادة 20 ليست عطفا عليها وإنما من أجل استثناء فئات و شرائح واسعة من أطفال المجتمع المغربي، وخاصة الفتيات، من حماية المادة 19.
وأورد المحامي بهيئة القنيطرة، مجموعة من الأرقام الدالة على فظاعة ظاهرة تزويج الطفلات دون سن 18 سنة، مشيرا إلى أن تلك الأرقام هي بمثابة مؤشرات عن وضع، وصفه بـ”الخطير” والذي يشير إلى سقوط المادة 20 في مخالفة واضحة للمادة الثانية من الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل والتي تلزم الأطراف بضمان الحقوق الموضحة فيها دون أي نوع من أنواع التمييز.
وأوضح المتحدث أن تطبيق المادة المذكورة كان موضوعه الفتيات بشكل أساسي دون الذكور ثم الفئات الهشة والمهمشة والتي تعاني ظروف اقتصادية واجتماعية صعبة، الشيء الذي يحرم الفتيات موضوع هذه المادة من الحقوق المنصوص عليها في الاتفاقية من قبيل الحق في الرعاية و النمو وغيرها من الحقوق.
وبخصوص موضوع إثبات الهوية والاسم والجنسية والحالة المدنية، أكد عبد العالي الصافي، أن هذه المادة أقحمت بشكل يسيء، للمنهجية المعتمدة في مدونة الأسرة، حيث جاءت في الباب الأول المتعلق بالزواج الصحيح وأثاره من القسم الخامس المتعلق بأنواع الزواج، وأحكامها من الكتاب الأول المتعلق بالزواج، والحال أن مكانه الطبيعي منهجيا، يقول المتحدث “هو الكتاب الثالث المتعلق بالولادة و نتائجها، و هذا يدل على ارتباك المشرع حينما فكر في ملاءمة قانون الأحوال الشخصية مع الاتفاقيات الدولية، فاكتفى بالإشارة إلى ما جاء فيها على شكل استنساخ لشعاراتها أو عناوينها الكبرى”.
وأوضح عبد العالي الصافي، أنه عند قراءة المادة 142 التي قسمت البنوة إلى شرعية وغير شرعية، يتضح أن هناك تمييز واضح، حيث يتم تقسيم الأطفال إلى شرعيين و غير شرعيين، ثم تأتي المادة 148 لتنفي أي أثر بالنسبة للأب عن البنوة غير الشرعية وبالتالي، يضيف المتحدث، فإن ما جاء في المادة 54 يتم إفراغه ويصبح بدون أهمية خصوصا فيما يتعلق بالهوية و النسب، والجنسية، والتسجيل في الحالة المدنية، وهو ما يشكل، في نظر عبد العالي الصافي، تضاربا صارخا بين نصوص المدونة نفسها وفيما بينها و بين الشرعية الدولية، نتيجة تمييز غير مبرر، مشيرا إلى أنه إذا كانت المادة 152 تنص، على أن من بين أسباب لحوق النسب يتحقق بالفراش، فما الداعي إلى تمييز البنوة الشرعية عن غير الشرعية مثلا؟ في حين أن البنوة تثبت بالنسبة للأم وفقا للمادة 146 سواء كانت ناتجة عن علاقة شرعية أو غير شرعية.

< محمد حجيوي

Top