صياغة جواب سياسي للمرحلة…

التنسيق المعلن عنه بين حزبي الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والتقدم والاشتراكية، والمبادرات القطاعية والجهوية المتوالية في الفترة الأخيرة بينهما، ليست عملا تاكتيكيا محدودا، ولكنها تنطلق من وعي مشترك بين حزبين وطنيين تاريخيين بضرورة صياغة جواب مشترك عن تحديات المرحلة السياسية في بلادنا.
معظم الوقائع التي تشهدها البلاد، وخصوصا منذ تشكيل الأغلبية الحالية، تؤكد تدني الممارسة السياسية، وتفشي الكثير من الاختلالات وتجليات العجز في ممارستنا الحزبية والسياسية والانتخابية والتدبيرية، ومن ثم كان لابد من بلورة رؤية مختلفة للمستقبل.
شعبنا يعيش القلق عن واقعه ومستقبله، جراء تدهور أوضاعه المعيشية وتفشي الغلاء والتضخم وارتفاع الأسعار، والبلاد باتت رهينة هيمنة حكومية عمياء بلا أي أفق، والسياسة انحدرت إلى الدرجة الصفر في النجاعة والمصداقية، ثم أضيفت إلى كل هذا وقائع المحاكمات الجارية على خلفية الفساد، وكل هذا يحتم اليوم إبداع طريق آخر لبناء مستقبل بلادنا.
لقد نبه جلالة الملك في أكثر من مناسبة إلى الوقائع والاختلالات، وحث على ضرورة الوعي بالتحديات المطروحة، مشددا على الإصلاحات، وعلى أهمية التغيير، لكن هذه المهمة تقتضي تحملها أيضا من طرف قوى حزبية وطنية انبثقت من رحم الشعب، وهو ما بادر إليه حزبا الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية، ويتطلعان، من خلال عملهما الثنائي المشترك، إلى توسيع الصف الوطني الديمقراطي، وإلى بناء التقائية سياسية واسعة تشمل قوى وطنية صادقة تسعى إلى التصدي لتدني السياسة وارتجالية التدبير وتفشي الفساد، ومن أجل النضال الوطني المشترك لتقدم المغرب.
المبادرة التنسيقية المشتركة بين الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية هي حوار بين حزبين مغربيين يعرفان بعضهما البعض، ويدركان جيدا اختلافاتهما وأيضا القواسم المشتركة بينهما، ومن ثم قراءة هذا الفعل السياسي يجب أن تبنى على محددات الواقع كما هو اليوم، وأن تنتظم ضمن التحديات المطروحة على البلاد، وعلى مستقبلها، وعلى ما تجسده المرحلة السياسية المتسمة بالقلق، وبحاجة شعبنا إلى أفق يبعث على الاطمئنان والتفاؤل.
التنسيق بين الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية يسعى أن يكون أكبر من التموقعات الظرفية والآنية بين الأغلبية والمعارضة، وأبعد من الاصطفافات المرحلية، وإنما هو يضع نفسه ضمن رؤية سياسية استراتيجية ومبدئية يؤطرها وعي راسخ بحاجة بلادنا إلى إعادة اللقاء والعمل المشترك بين القوى الوطنية المناضلة وذات الأصل التاريخي والمصداقية المرجعية واستقلالية القرار ووضوح النظر لمصلحة البلاد.
البلاد لم تنفعها ممارسات الهيمنة للسنوات الأخيرة، ونتائج الانتخابات الماضية وخرائطها وسعارها هي التي أوصلتنا إلى كل هذا التصحر والجفاف في السياسة وفي المؤسسات وفي قيم وصدقية ومستويات السياسة والتمثيل الانتخابي، والجميع صار اليوم مقتنعا بأن المغرب في حاجة إلى وضع حد لكل هذا التدني والانحدار، وإلى اختيار طريق البناء والتغيير و… المعقول.
وفي هذا الإطار،  يندرج التنسيق بين الحزبين اليساريين الوطنيين، أي الشروع في صياغة جواب سياسي للمرحلة، ويتطلعان أن تكون هذه الصياغة جماعية ومشتركة بين كل القوى الوطنية الصادقة، وضمن دينامية وطنية تنتصر للبديل، أي من أجل إعمال اختيار يختلف عن ذلك السائد اليوم.

<محتات‭ ‬الرقاص [email protected]

Top