مسعود بوحسين وعادل أبا تراب يحاكمان محمد خيي على خيانة الرفاق

شاهد جمهور المهرجان الدولي للسينما الإفريقية بخريبكة، الذي تنظم دورته 24 من 11 إلى 18 ماي الجاري، الفيلم المغربي “كأس المحبة” (94 ديقية) لمخرجه نوفل براوي، الذي ينافس على جوائز FFICAK، إلى جانب أفلام أخرى من مختلف دول القارة السمراء.

وقدم نوفل براوي عمله السينمائي في كلمة مقتضبة قبل بداية العرض، مشيرا بشكل وجيز إلى العناصر الأساسية في الحكاية، التي أوضح أنها تدور حول ذاكرة الرفاق الذين كانوا ينشطون في العمل السياسي، وتعرض بعضهم للاعتقال، وقضوا سنوات طويلة في السجن، قبل أن يلتقوا فيما بعد، ويبحثون في الذي حصل مع حدوث تطورات كثيرة في الميدان.

فإذا كان رشيد (مسعود بوحسين) قد تم الحكم عليه بـ 15 سنة في السجن، عقب اعتقاله بدرب مولاي علي الشريف “السري” بالدار البيضاء، كما قضى عبد السلام (عادل أبا تراب) خمس سنوات وراء القضبان، فإن الرفيق أحمد (محمد خيي) لم يبت ليلة واحدة وهو في قبضة رجال الأمن، علما أنه كان ناشطا أيضا في الساحة السياسية وقتها، وهو ما يعتبر لغزا محيرا، وتطرح حوله الكثير من الأسئلة في نظر رشيد وعبد السلام؟!

توفق نوفل براوي في تقديمه للعمل تقنيا وفنيا باستثناء بعض المشاكل المسجلة في جودة الصوت، (توفق) في بناء حكاية الفيلم وتماسكها، حيث التقدم في المشاهدة يكون متبوعا بتولد الأحداث ورفع الستار عن ماضي الشخصيات، التي تبدو العلاقات بينها غامضة وملتبسة ومضطربة رغم العلاقات الإنسانية والخط السياسي الذي كان يوحدها.

ولقد قادت الصدفة، أحمد وزوجته سعاد (ثريا العلوي) ورشيد إلى لقاء عبد السلام، الرفيق الذي اختار مسارا آخر بعيدا عن السياسة والكتابة وما يحيط في الكواليس، وقاده القدر إلى الاستقرار في قرية صغيرة شمال المغرب بعيدا عن البيضاء أو الرباط، هذه الأخيرة التي يستقر بها رفاق الثلاثة.

 

مواجهة أحمد

واجه أحمد الذي أصبح طبيبا ورجلا غنيا وصاحب علاقات متشعبة وممتدة في الإدارة وغيرها، لحظات حرجة، بفعل إصرار رشيد وعبد السلام، على معرفة الدور الذي كان يلعبه وسط الرفاق.

واتهم عبد السلام الرفيق أحمد بـ”الخيانة” و”التجسس” لصالح رجال الأمن، والتسبب في مقتل الرفيق لحسن، الذي يروج أحمد إلى أنه قد انتحر. علاوة على ذلك فقد اهتدى الرجل نفسه إلى التزوج بسعاد التي كانت تجمعها علاقة حب بالرفيق الشاعر رشيد.

لم يتقبل رشيد بعد خروجه من السجن واشتغاله بالمطبعة، فكرة زواج أحمد وسعاد، وظل يلوم نفسه وسعاد عن ما حصل، لكنه بعد البحث في الموضوع، سيتضح أن كل الرسائل التي كان يوجهها رشيد لسعاد من داخل السجن عن طريق أحمد لم تصل للمرسل إليها، وهو ما اعتبرته سعاد إهمالا وتخليا عنها لا سيما وأنها زارته في السجن مرات كثيرة ورفض رشيد اللقاء بها!

بدا رشيد طيلة الرحلة نحو قرية سعاد، شارد الذهن مشوش البال قليل الكلام والحوار، يتحدث في النفعي فحسب، ويرجع مع كل مرة إلى الذاكرة المشتركة بين الرفاق، لاقتفاء أثر الذي وقع آنذاك وفيما بعد.

ونظير هذه الشخصية الهادئة، يظهر عبد السلام الذي رفع من إيقاع الفيلم بفعل ما يحمله من معلومات ومستجدات لا يعرفها رشيد وسعاد عن أحمد، وبدأ النقاش بين الجميع فوق الطاولة عن الدور الذي لعبه أحمد في التصفية الجسدية للرفيق لحسن.

رفض أحمد “الحقيقية” التي يواجهه بها عبد السلام، ودعا سعاد ورشيد إلى عدم استقباله مرة أخرى، بدعوى “التحامل عليه”، ومحاولة توريطه في أشياء لا علاقة له بها، خصوصا وأنه يذيع قصة أن لحسن قد انتحر ولا شيء آخر غير هذه الحكاية.

ولا تتردد سعاد في انتقاد ممارسات الزوج والرفيق أحمد، الذي بدا فيما بعد رجلا آخر، متخليا عن المبادئ التقدمية بعد الترقي الطبقي، سواء على مستوى الحياة الشخصية أو الزوجية، حيث دعا سعاد إلى التوقف عن العمل والاكتفاء بالاهتمام بتفاصيل المنزل والاعتناء به، واقترح عليها بيع أرض والدها، وتهجير ساكنة “القزدير” المستقرين بها..

ومن جهة أخرى، اهتدى أحمد إلى الشروع في كتابة عمل روائي، في إطار اهتمامه بالكتابة منذ مدة، غير أن موضوع ومضمون الورقات التي خطها لم يرق لسعاد التي هاجمته، لم لا وأن الرجل يتحدث عن أشياء بعيدة عن معاناة الرفاق والأحداث التاريخية التي وقعت من قبيل الاعتقالات والمحاكمات وجلسات التعذيب وغيرها، إسوة بباقي الرفاق الذين اختاروا الكتابة عن التجربة بدل شيء آخر.

وينقل “كأس المحبة” الذي كتبه السيناريست يوسف فاضل ثلاثة مسارات لشخصيات كانت مناضلة ضمن المجموعة نفسها، ومقابل عدم التزام أحمد الذي منحه المال والحظوة، وجد رشيد وعبد السلام نفسهما في الشارع، فبالكاد يستطيعان تأمين لقمة العيش.

 

خنثوية عبد السلام

رمت السنون بعبد السلام إلى امتهانه الرقص في سيرك الشارع، البداية كانت مع فرقة إسبانية كانت تتنقل بين المدن، وسيعمل فيما بعد لحساب حمادي صاحب فضاء للترفيه بشاطئ قرية سعاد، الذي يتكلف بإقامته وغذائه، بل تطورت العلاقة بينهما ليصبح “زوجة له”، واختار له من الأسماء “نعيمة”، أي أن هناك تحول في الهوية من الذكر إلى الأنوثة (الخنثوية).

شخصية مثيرة تلك التي لعبها عادل أبا تراب في هذا العمل، وهو ما شد انتباه الجمهور والنقاد، لأن الأمر يتعلق بعامل محوري في الحكاية، ذلك أنه خلف شخصية “المثلي” التي يظهر بها أمام حمادي وعامة زبناء الفضاء الترفيهي، يوضح المخرج للمشاهد بأن الأمر يتعلق برجل كان مناضلا ومعتقلا سياسيا، ويحمل في ذاكرته أحداثا دامية وأليمة.

لقد أعطى عادل أبا تراب لكأس المحبة المقتبس من النص القصصي “يوم صعب” للكاتب محمد الأشعري، طاقة ونفسا، أولا بفعل طبيعة شخصية “عبد السلام” و”نعيمة”، ثم أيضا لاجتهاده في الأداء الذي تطلب منه اشتغالا طويلا، وتحديدا شخصية نعيمة، التي تشير إلى رجل “مثلي”، له في مخيلة المتلقي خصوصيات معينة في حركاته وسكناته، وهو ما نجح في تمثيله عبر بوابة الجسد، نظرا للموهبة والخبرة التي راكمها فوق خشبة المسرح.

وأضفى فضاء التصوير لقصة الفيلم جمالية فنية ورمزية خاصة، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار طبيعة الموضوع الساخن والمقلق، الذي فيه صعود وهبوط في الجبال (جبال الشمال)، والتواء ومنعرجات في الطريق، وأمواج بحر تتلاطم إلى جانب ضبابية الأجواء التي تخيم على المنطقة، ذلك أن القرية الهادئة التي تعيش ساكنتها على نشاط الصيد البحري وإنتاج وتهريب المخدرات، تحولت إلى ساحة للصراع والمواجهة بين الرفاق، وصولا إلى الانتقام من “الخيانة”.

وكان الماء الفضاء الأرحب للانتقام، بداية بانتقام عبد السلام من حمادي الذي تمادى في تصرفاته التي كانت تشجع أبناء القرية على “التنمر” و”الاستهجان” و”الهجوم” عليه، حيث قرر قتله واللجوء إلى شلال الجبل للاستحمام أو “التطهر” إن شئنا، وتسليم نفسه لرجال الدرك الملكي.

أما رشيد فتخلص من الرفيق أحمد داخل مياه البحر المالح، مستغلا ضبابا كثيفا حال دون وصولهما إلى البر، على سبيل التخفيف من آلام الماضي الثقيل الذي حمله طيلة 15 سنة، وازدادت حدته بعد الخروج من السجن واكتشاف أشياء جديدة، وذلك في ظل انحسار كلمات الأبيات الشعرية التي لم تعد تفي بالغرض.

يذكر، أن فيم “كأس المحبة” هو ثاني الأعمال السينمائية في مسار نوفل براوي، بعد فيلمه الطويل الأول “يوم وليلة” إنتاج سنة 2013.

خريبكة: يوسف الخيدر

Top