باحثون مغاربة: : السياق الدولي الجديد يفرض على بلدان الجنوب رسم شراكات جديدة لرفع التحديات المرتبطة بتأثير التغيرات المناخية على الأمن الغذائي

تواصلت فعاليات الدورة الرابعة والأربعين من موسم أصيلة الثقافي الدولي، بتناول ثلاثة شبان باحثين مغاربة، الاثنين الماضي، الوضع الاقتصادي والجيو سياسي لدول الجنوب العالمي بين القوى الكبرى في عالم تعصف به الأزمات وعمليات إعادة البناء والتشكيل، بالإضافة إلى العلاقات المتشابكة بين الجنوب الجديد وأوروبا على ضوء التحديات المشتركة المتعلقة بالمناخ والهجرة والأمن الغذائي، في سياق جيوسياسي دولي متسم بتصاعد حدة الأزمات بين القوى الكبرى.

وأبرز هؤلاء المتدخلون في ندوة بعنوان “الانقسام الجيوسياسي، المناخ، الهجرة والأمن الغذائي: الجنوب الجديد وعلاقاته مع أوروبا” التي تم تنظيمها بتعاون بين مؤسسة منتدى أصيلة ومركز السياسيات من أجل الجنوب الجديد، أن السياق الدولي الجديد بات يفرض على بلدان الجنوب رسم شراكات جديدة لرفع التحديات المرتبطة بتأثيرات التغيرات المناخية على الأمن الغذائي.

التفاصيل..

قال الباحث بمركز السياسات من أجل الجنوب الجديد، أحمد أوحنيني في مداخلته، إن الأمن الغذائي كان رهينا بالأزمات السياسية والحروب في غالب الأحيان، قبل أن يستدرك، أنه اليوم، أصبح يتأثر أيضا بالأزمات الصحية (كوفيد 19، الفيروسات، الأمراض…)، أو بالصدمات الاقتصادية (التضخم، ارتفاع أسعار الفائدة)، وأيضا بالتغيرات المناخية، وهذه التحديات في نظره تعيد إلى الواجهة الجدل حول الحوار بين أوروبا والجنوب الجديد في تشكيل أساس التعاون الدولي.

وأضاف أوحنيني “نحن في مرحلة صدمات وحروب وأزمات تؤثر على الاقتصاد العالمي وأيضا الأمن الغذائي والتغيرات المناخية، لذا ينبغي بناء نماذج فلاحية قابلة للتصدير عوض التركيز على المواد الأساسية الموجهة للسكان المحليين بدرجة أكبر”. وأبرز أوحنيني تحديات التقدم، أبرزها مخلفات كوفيد والفقر وعدم المساواة وتفاقم الدين الخارجي، بما يوضح أن إفريقيا ليست في الطرق الصحيح لمقاربة أهداف التنمية على المستوى العالمي، فالأزمات تتواصل وعليها إيجاد سياسات قوية لكل هاته العراقيل. وأكد أوحنيني أن الحرب الأوكرانية بينت هشاشة التجارة العالمية وعمقت إشكالية الأمن الغذائي، حيث ظلت دول مقتصرة على استيراد القمح مثلا، كما شهدت أثمنة المواد الغذائية ارتفاعا وبالتالي التأثير على العرض والطلب والأمن الغذائي. ونوه أوحنيني بالمناسبة بجهود المغرب كمثال للانفتاح على العالم الخارجي، خاصة أنه بحاجة لدول الغرب، فهو على مشارف تنظيم مونديال 2030 الذي سيكون أسطوريا بكل المقاييس.

ومن جهته، قال حمزة مجاهد الباحث في العلاقات الدولية بمركز سياسات الجنوب الجديد، في مداخلته، إن القارة الأفريقية تسعى إلى تحقيق أولويات المرونة المناخية والتنمية، بالرغم من تسجيل ضعف بنياتها التحتية وافتقارها إلى التكنولوجيا، مسجلا أن القارة السمراء مسؤولة فقط عن 8 في المائة من الانبعاثات الغازية، لكنها تعتبر من بين الأكثر تأثرا بالتغيرات المناخية.

ودعا إلى ضرورة التمييز بين بلدان الجنوب، على اعتبار وجود دول صاعدة تعتبر من بين الأكثر تلويثا في العالم من قبيل الصين والهند، وبلدان أخرى أقل تقدما.

واعتبر أن القمة الإفريقية الأولى حول المناخ التي احتضنتها كينيا تهدف إلى إيجاد تموقع لإفريقيا يمكنها من مكافحة التغيرات المناخية، ووضعها ضمن تصور عالمي مشترك لمقاربة الظاهرة، ليتمكن الأفارقة من إيصال صوتهم للعالم، علما أن القارة الإفريقية تعد الأكثر تأثرا بالمشكل.

وأوضح مجاهد أن إطلاق مصطلح بلدان الجنوب، يهم الدول النامية ودول العالم الثالث التي لا تنتمي للعالم الغربي، مسجلا أن المفهوم بعيد كل البعد عن الهند والصين اللتين تشكلان كتلتين قويتين لهما ثقلهما عالميا. ونبه مجاهد إلى أزمة إفريقيا مع أسواق الكربون العالمية في ظل انعدام سياسات موجهة كفيلة برفع التحديات المطروحة، منها اليورانيوم في النيجر، المستخدم بتصنيع الكهرباء، لكن في المقابل عدد كبير من مواطني البلد لا يتوفرون على كهرباء، ثم القابلية للاستثمار، ومسألة البنيات التحتية والتكنولوجيا بالنسبة للطاقات المتجددة والتي تظل أساسا صينية وأميركية، في ظل نقص الحكامة الإفريقية في هذا السياق.

وأشار مجاهد إلى تبني مبادرات مهمة منها قمة المناخ “كوب 26” التي تشكل البداية في انتظار المزيد من النقاشات والمبادرات البناءة، داعيا دول الجنوب إلى اعتماد سياسات عمومية ناجعة لمواجهة التغيرات المناخية والاستثمار بإدماج القطاع الخاص، والداعمين الماليين الدوليين من البنك الدولي والبنك الإفريقي للتنمية وغيرهما.

وأضاف مجاهد “إذا  كانت المؤسسات المحلية والإقليمية غير قادرة على مواكبة القرارات السياسية بطريقة شفافة، فالأمر سينعكس سلبا على الداعمين الماليين الذين سيتهربون قطعا من تقديم الدعم  والرغبة في الاستثمار، إفريقيا بحاجة لسياسات عامة تواكب التزاماتها”، معتبرا أن هناك العديد من النقاشات لكنها تظل دون جدوى مما يبعث على التشاؤم، منها قمة باريس في يونيو الماضي واجتماعات البنك الدولي في المغرب أخيرا، آملا أن تكون كوب 28 المرتقب انعقادها في دبي نوفمبر المقبل مهمة لمعرفة كيف ستسير الأمور”.

ورأى الخبير، أن الرهانات بين أوروبا وإفريقيا مختلفة بشأن مقاربة التغيرات المناخية، إذ في الوقت الذي تسعى فيه إفريقيا إلى تحقيق أولويات المرونة المناخية والتنمية، مع ارتهانها إلى المانحين الدوليين وضعف بنياتها التحتية وافتقارها إلى التكنولوجيا، تعمل أوروبا على ترسيخ ريادتها الجيوسياسية وتكريس الريادة في الاقتصاد الأخضر وتحقيق الأمن الطاقي، عبر تسريع التحول نحو الطاقات المتجددة، لاسيما بعد الحرب بأوكرانيا التي تسببت في تشوهات كبيرة في سلاسل إمدادات الطاقة و الغذاء الأوروبية. في هذا السياق، دعا بلدان القارة الإفريقية إلى ضرورة بناء نماذج جديدة تقوم على التقليل من تصدير المواد الأولية والبحث عن زيادة القيمة المضافة محليا، والبحث عن بدائل لتمويل مشاريع الانتقال الطاقي.

وفي ذات السياق، استعرضت الباحثة بمركز السياسات من أجل الجنوب الجديد، أمل الواصف، تطور مفهوم الهجرة أو اللجوء المناخي منذ ظهوره في سنوات الثمانينات من القرن الماضي، وتسجيل حدته مع التغيرات المناخية خلال السنوات الماضية، داعية إلى ضرورة الأخذ بعين الاعتبار “اختلاف السياقات المحلية، ما يقتضي زيادة مرونة المجتمعات المحلية في مواجهة التغيرات المناخية، من خلال الاستثمار المستدام في هذا المجال والبحث عن بدائل لتمويل مشاريع الانتقال الطاقي”.

وتساءلت الباحثة أمل الواصف عن إمكانية الربط بين التغير المناخي واعتباره عاملا مسببا للهجرة، خاصة أنها ليست بالظاهرة الحديثة، في حين استجد الاهتمام بنتائج التغيرات المناخية وتأثيرها على الإنسانية. وأضافت الواصف: “بالنسبة للذين يقرون بأن التغيرات المناخية وراء ازدياد معدلات الهجرة، ترى على أي أساس حددوا تصورهم؟”، وأقرت في هذا الإطار، بوجود مدرستين لكل منها لها نظرتها للأمور، تشير الأولى إلى تغير الحياة اليومية بفعل التغيرات المناخية دون ربطها بالنتائج، فيما تقر الثانية بتسببها في الهجرة بشكل كبير.

وعلى مستوى آخر، استعرضت الباحثة الواصف، معاناة العاملات في الضيعات الفلاحية في جهة سوس مثلا، حيث يعملن في ظروف صعبة ويقبلن بتعويضات مادية زهيدة، مقارنة بالرجال ممن يمثلون نسبة قليلة من العمال.

وقالت الواصف: “قمنا بجولة ميدانية في المنطقة للسؤال حول مدى معرفة تأثير التغيرات المناخية على حياة العمال اليومية، لنستقبل أجوبة تتعلق أساسا بنمط العمل، إذ اشتكت معظم العاملات من تقلص حظوظهن في الحصول على فرصة عمل مقارنة بالسابق، إلى جانب معاناتهن من التحرش وعدم احترام ساعات العمل، لتتجه أغلبهن لمجالات أخرى لم يتم التأقلم معها، فيما اعتبر آخرون في مجالات الصيد مثلا أن التحولات المناخية لم تؤثر عليهم بقدر ما تأثروا باتفاقيات الصيد بين الحكومة المغربية والصين”.

على صعيد آخر، أكدت الواصف على ضرورة اقتراب النظم والنخب في إفريقيا من كل الفئات السكانية لمعرفة تأثير التغيرات المناخية على نمط عيشها وعملها للمساهمة في الرؤى المستقبلية حول سبل مواجهتها دوليا.

ونبهت الواصف من ظهور مشاكل اجتماعية أكثر تعقيدا في المستقبل، في إفريقيا عموما والمغرب خاصة، بسبب الهجرة من البوادي إلى المدن بفعل التغيرات المناخية، والتي تهم المدن الكبرى من الرباط والدار البيضاء وطنجة.

وانتقدت الواصف عدم وجود رؤية موحدة لدى منظمات دولية تنشط في المجال والتي يمكن تدخلها من تقليص تأثير التغيرات المناخية على المواطنين.

ولفتت الواصف إلى أهمية التعاون شمال – جنوب حول الهجرة، منددة بالاقتصار فقط على المقاربة الأمنية حول الظاهرة، التي لا تركز على ظروف المهاجرين السيئة، علما أنهم هم من بنوا أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، لكن المقاربة الاقتصادية تغيرت ولم تعد كما كانت في السنوات السابقة، مما فرض ضرورة تغيير التصورات والسياسات بشأنها.

وميزت الواصف بين تصور أوروبا للهجرة وتعامله معها على أساس سياسة الجوار، فيما يحرص الاتحاد الأوروبي على لعب دور محوري في تناولها، وهو ما عمقه أحداث 11 سبتمبر 2001 بأميركا، والتي ربطت الهجرة بالإرهاب، وهو نقاش خاطئ وغير مقبول.

واعتبرت الواصف أن أولويات إفريقيا تشمل التنمية وتوفير العمل للشباب،  أما أوروبا فهدفها الأمن والتوسع داخل محيطها، لكن بمعزل عن الدول الأخرى، في سياق حوار غير متوازن، متسائلة: “هل يمكن للشراكات والاتفاقيات حول وقف نزوح المهاجرين أن تحقق هدفها أم أن الأمر يبدو مغلوطا باعتباره يضرب في العمق معادلة رابح- رابح؟”.

وشددت الواصف على ضرورة تموقع إفريقيا بشكل يلائمها دوليا من أجل شراكة متوازنة مع أوروبا، تضمن مصالحها وتصوراتها، في نطاق احترام سيادة دول الجنوب وعدم نهج قرارات أحادية الجانب من طرف أوروبا وفرضها على دولة شريكة. وأشارت الواصف إلى النموذج المغربي كقوة اقتراحية في مسألة الهجرة، والحريص على  رفض أجندة خارجية وأن يسمع صوته لدى باقي الشركاء، فالهجرة خيار وليس مسألة حتمية على حد تعبيرها.

وتتواصل هذه الدورة الرابعة والأربعين من موسم أصيلة الثقافي الدولي وجامعة المعتمد بن عباد المفتوحة، المنعقدة تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس بمبادرة من مؤسسة منتدى أصيلة بشراكة مع وزارة الشباب والثقافة والتواصل وبلدية أصيلة إلى غاية 26 أكتوبر الجاري، من خلال سلسلة من الندوات وجلسات النقاش في مواضيع وقضايا راهنة، بمشاركة 300 شخصية ومتحدث رفيع المستوى.

< حسن عربي: مبعوث بيان اليوم إلى أصيلة

Top