التراث الفني الموسيقي في شمال المغرب يفقد إحدى نجماته الكبيرات

عالية لمجاهد الصوت والذاكرة ولحظة إشراق فنية نسائية
ودعت الساحة الفنية نهاية الأسبوع الماضي، نجمة كانت تضيء سماء تطوان، وودع المغرب ذاكرة حية لتراثنا الثقافي الأندلسي، وودع عشاق الطرب فنانة موسيقية كبيرة، وصوتا عذبا، وأنامل دربة لها علم بأسرار أوتار العود، هذا العود الذي أرست من خلاله عالية المجاهد، شملها الله تعالى بواسع رحمته، مدرستها وأسلوبها في الغناء وفي تطوير التراث الموسيقي والغنائي بشمال المغرب، حيث صار في ما بعد، سمة مميزة لأفراح وأعراس مدينة تطوان ولياليها البيضاء.
رحيل الفنانة عالية المجاهد خسارة فادحة للتراث الغنائي النسوي في المغرب وخسارة للمغرب الثقافي، لكن لا راد لقضاء الله، فبعد عقود من التميز، كشمعة انطفأت هذه الفنانة المغربية الأصيلة، ولبت داعي ربها، إثر الوعكة الصحية التي ألمت بها مؤخرا… لكن «النار الحمرا» التي يكون الشوق وقودها لن تخبو أبدا كما تقول إحدى أغانيها الشهيرة «النار الحمرا يا سيدي بالشوق كادية» لن تنطفئ وستظل مشتعلة في ذاكرة المغرب والمغاربة قبسا من نور، أو قطعة «جاوبني يا حبيبي»، أو الأغنية التي رددها المغاربة من الشمال إلى الجنوب وهي «ما نا شي مولوعة»، إضافة إلى أغنية شمس الضحى مع الفنان التطواني الراحل عبد الصادق شقارة …وأغاني أخرى ستظل تؤشر على لحظة إشراق فنية نسائية، تؤشر كذلك على خصوبة مناطقنا الشمالية موسيقيا وفنيا وتحيل على أسماء كبيرة كالتمسماني وشقارة العروسي وعالية المجاهد وآخرين غيرهم.
واعتبرت الفنانة الراحلة العالية مجاهد٬ التي ازدادت بتطوان سنة 1929 واحدة من الأسماء التي طبعت الغناء النسائي بمنطقة شمال المغرب٬ ووجها من وجوه التنوع الغنائي والموسيقي ببلادنا حيث أثرت ربرتوار الأغنية الشعبية التراثية وطرب الآلة بالعديد من القطع الغنائية سواء الخاصة بها٬ أو التي أعادت فيها تقريب المتلقين من الأجواء الحميمية لنساء الشمال ومردداتهن الشعبية.
وقد بدأت مسارها الفني في بداية عقد الستينيات من القرن الماضي٬ بعد أن تلقت في طفولتها دروسا في الموسيقى والعزف بالمعهد الموسيقي لمدينة تطوان٬   قبل أن تقرر تسجيلها للإذاعة الوطنية وتوقع على  أولى قطعها الغنائية التي لاقت نجاحا كبيرا وهي قطعة «النار الحمرا» التي أضاءت مسارها الفني.
رأت النور الفنانة الراحلة الحاجة ألكسولي عليوة وإسم شهرتها عالية المجاهد، سنة 1929 بمدينة تطوان في حي الجامع لكبير درب لخطيب بالمدينة العتيقة  أخذت حب الفن من بيت أخوالها و لتأخذ فيما بعد منهم  حتى الاسم  العائلي  «المجاهد»  ليكون لها  اسما فنيا  وليتغير كليا  إلى «عالية المجاهد» تلقت الراحلة  مبادئ الموسيقى الأندلسية بالمعهد الموسيقي لمدينة تطوان الذي كان يتواجد إبان الحماية الإسبانية لشمال المغرب في المصلى القديمة بالمدينة العتيقة على يد  الفنان الراحل محمد الديلان ثم على يد الفنانة الراحلة الكبيرة منانة الخراز فعنها أخذت العزف على آلة العود وكل ما ستحتاجه لمسيرتها الفنية فيما بعد ثم اشتغلت مع علم موسيقي نسوي آخر هي الفنانة الراحلة فامة الأشهب المعروفة في الوسط التطواني بلقب « شهابة «  ثم مع الحاجة  « سيلي «  ثم اشتغلت  «بجوق النجم النسوي» الذي كان يرأسه آنذاك رشيد الريسوني فكانت الراحلة نابغة حيث أن احتكاكها  مع كل هذه الأسماء الوازنة في الساحة الموسيقية الفنية التطوانية النسوية  آنذاك جعلها تحلق عاليا وتكون فرقة موسيقية زاحمت كل هذه الأسماء النسوية  الفنية الكبيرة المتواجدة بالمدينة ولكن طموحها الكبير جعلها ترحل من أجواء المنافسة التطوانية سنة 1957  لتعانق تجربة جديدة تحط خلالها الرحال بمدينة الرباط مع بعض الموسيقيين من الشمال وهم على التوالي لعزيزة ركابة على آلة الدربوكة عشوشة الطنجاوية مرددة زينب الطنجاوية مرددة وأيضا مع سيدة تعتبر أول عازفة على آلة الكمان وهي  الراحلة عشوشة الناصري ولتحقق انتشارا مبهرا في العدوتين الرباط وسلا نظرا لأن في ذلك العهد كان من المستحيل الاختلاط بين الجنسين في حفلات الأعراس  وغيرها وتشاء الصدف أن يتغير مسارها الفني تغييرا كليا حينما تتعرف على أحد الأسماء الكبيرة في مجال الموسيقى وهو المرحوم سيدي عباس الخياطي الذي سيقربها من الأجواء الإذاعية ويلحن لها بعض القطع التي لازالت الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة المغربية تعتقل جلهم  في خزانتها كما سجلت بعض القطع الموسيقية لإذاعة البي بي سي البريطانية  وفيما بعد ستقترن الراحلة بعلم من أعلام الموسيقى الأندلسية المغربية المنشد محمد الطود الذي كان يشتغل إبان الحماية مقرئا براديو ماروك وتستقر بمدينة سلا بصفة نهائية
وقد كان لزوجها الذي يعتبر من أساتذة الموسيقى الكبار، دور أساسي في تألقها خاصة أن الأصوات النسائية كانت قليلة حينها٬ وقدم لها الدعم الفني والأسري٬ قبل أن تنتقل إلى الرباط وتسجل مع جوق الطرب الأندلسي التابع للإذاعة الوطنية برئاسة المرحوم مولاي أحمد الوكيلي قطعا أندلسية منها مستعملة «أما قد خفيت في الهوى» من ميزان الابطايحي من طبع الاصبهان٬ كما شاركت سنة 2000 في مشروع التسجيلات الجهوية لمستعملات من طرب الآلة مع نخبة من أجواق الرباط ومكناس ومراكش وسلا٬ فضلا عن تسجيلها العديد من القطع والبراويل الشعبية الشمالية رفقة الراحل عبد الصادق شقارة.
تعازينا الحارة لعائلة المجاهد ولسكان تطوان وكل المغاربة عشاق الفن الرفيع… إنا لله وإنا إليه راجعون.

Top